استمع إلى الملخص
- الفيلم يركز على يوميات الأم والابنة، وتحول خطر يظهر بعين الطفلة أنيا، التي تنتظر عودة والدها من الصحراء.
- تفاصيل صغيرة وحساسة تُظهر تحولات قاسية، مع إشارات إلى أحداث تاريخية مثل المسيرة الكبرى ضد الإرهاب، مما يعكس مشاعر وسلوك الأفراد في لحظات انقلاب عنيف.
يُحيل "نية (NYA)"، للجزائرية إيمان عيادي، إلى مسألة استعادة بعض ماضٍ راسخٍ في راهنٍ، وفي ذاك الماضي آلامٌ ومصائب وانهيارات وخيبات. فعيادي تعود إلى الأعوام القليلة الأولى من العشرية السوداء (27 ديسمبر/كانون الأول 1991 ـ 8 فبراير/شباط 2002)، عبر حكاية أنْيا (ميليسّا بنيحيى)، ابنة الأعوام السبعة، وسَليما (مريم مدجان)، المُقيمتين في منطقة أمنية (Azur Plage، الساحل الغربي، الجزائر)، التي تُقيم فيها طفلةً مع عائلتها، في تسعينيات القرن الـ20.
الحكاية عادية. فيوميات الأم والابنة روتينٌ يتمثّل بمدرسةٍ وتلبية حاجات أكل وشرب ونوم، واللحظة احتفال بمناسبة دينية، ورغبة أنْيا كبيرةٌ في الألعاب النارية. تريد الطفلة أنْ تُصبح مذيعة تلفزيونية. تمارس هذه الهواية بأشكال مختلفة، لكنْ من دون إطالةٍ، فالأهمّ في الفيلم (2023) ـ المُشارك في مسابقة الأفلام القصيرة في الدورة الـ11 (19 ـ 25 سبتمبر/أيلول 2024) لـ"مهرجان طرابلس للأفلام" (شماليّ لبنان) ـ يتمثّل بمعاينة تحوّل خطر بعينَيْ طفلةٍ، تنتظر عودة والدها من الصحراء حيث يعمل، وتعيش مع أمّها بهناء وسكينة، رغم صدام بينهما مرة واحدة، قبل أنْ يتسلّل الخراب إليهما، وإلى محيطهما أيضاً.
اختيار 21 مارس/آذار 1994 (كما يُذكر في البداية) يتزامن وبداية فصل الربيع، وهذا أساسيّ عند عيادي، كما تقول في حوار منشور في 24H Algerie (موقع إلكتروني، الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2023). لاحقاً، تنتبه إلى معنى 22 مارس/آذار من العام نفسه: المسيرة الكبرى في الجزائر ضد الإرهاب. هذا يظهر سريعاً على شاشة التلفزيون، باعتباره إشارةً إلى بدء تسلّل الخطر، المُضاف إليه "وفاة" جارٍ، ستنتبه أنْيا فيما بعد إلى أنّه مقتول. حاجز للجيش يمنع سَليما وابنتها من تجاوزه، كعادة كلّ صباح، لكنّ السبب لن يُعرف، فأنْيا في السيارة، وعيادي غير مُسجّلةٍ كلاماً بين راشِدَين عن حالةٍ تظهر لاحقاً.
لحظة كتلك تتكرّر عند عودتهما إلى المنطقة الأمنية، فالعلم بمقتل الجار لن تسمعه أنْيا، لأنّ والدتها تُغلق أذنيها كأي أمّ تريد إبعاد ابنتها/ابنها عن أي ضرر. وهذا مُصوّر بحساسية جميلة.
تفاصيل صغيرة كهذه تُشكّل نواة حكاية ترويها أنْيا، التي تَشعّ براءة وشفافية وجمالاً (أداء بنيحيى مؤثّر ببراءتها وشفافيتها وعفويتها، مع أنّ هناك تمريناً وضبطاً إخراجياً)، قبل أنْ ينقضّ الوحش عليها: خوفٌ وقلق وتمرّد على أمّ، تريد حمايتها من ذاك الوحش، الذي يطلّ أوّل مرة عند الحاجز نفسه: ذئبٌ ينهش شيئاً ما. في ليلةٍ، يظهر الذئب على حائط غرفتها (كابوس أمْ تخيّل؟)، فتهرع إلى أمّها الساهرة على شرفة كبيرة تطلّ على مدينةٍ، يُفترض بها أنْ تكون ساكنة. تفاصيل تصنع لقطاتٍ تعكس شيئاً من تحوّل قاسٍ، تلتقطه إيمان عيادي برهافةٍ وبساطةٍ، تعكسان حالةً ومشاعر، وسلوك أفرادٍ في لحظة انقلابٍ عنيف.
أمّا A Vava Inouva، الأغنية الأشهر لإيدير (Idir)، فمتلائمة ونَفَس مبطّن في طيات النص السينمائي (كتابة عيادي): ففيها شابّةٌ تنقذ والدها المسجون في غابةٍ، يسكنها غيلان ووحوش، وأنْيا قلقةٌ خوفاً على والدها "المسجون" في الصحراء من أنْ يقتله غولٌ أو وحشٌ.
فيلمٌ قصير (15 د.) مشغولٌ بسلاسة سرد وتصوير (نادر شلهوب) يكشفان وقائع بتكثيفٍ وبساطةٍ.