نوري بوزيد... جدلية الواقع والفن

09 يونيو 2021
اشتبك نوري بوزيد مع الواقع السياسي والاجتماعي في حالة نقدية تأملية ساحرة (Getty)
+ الخط -

إنه نوري بوزيد، أحد أهم القامات الفنية في مجال السينما التونسية. نجح هو ورفيقاه، فريد بوغدير ورضا الباهي وآخرون في إحلال صورة مغايرة لذائقة مختلفة للمتلقي، سواء أكان تونسياً أم مغاربياً أم في العالم العربي.

الصورة المعتادة كانت ما تعوّده المشاهد من السينما الاستهلاكية التي تغرق عقل المشاهد ووجدانه في حكايات مكررة.

يأتي نوري لكي يطرح سينما جديدة بأبجديات مختلفة، تقدم وتعلي من قيمة الجدل الجمالي والموضوعي. ومع أفلام مثل "صفايح ذهب"، و"ريح السد" يشتبك المخرج مع الواقع السياسي والاجتماعي في حالة نقدية تأملية ساحرة ومثيرة للدهشة.

نوري - مع حفظ الألقاب - مخرج مشاغب لا يهدأ ولا يستسلم. اشتبك مع مجتمعه ونظامه السياسي، فأدى هذا إلى سجنه لمدة ست سنوات.

 ذلك لم يفتّ في عضده. خرج ليواصل اشتباكاته المستمرة بسينماه الساحرة، حيث تعرضت لقضية التطرف الديني وصدامها مع حركة اليسار التونسي.

الأرشيف
التحديثات الحية

لقد تحلى بالشجاعة وعدم الإستسلام. يحمل نوري بوزيد في نفسه غراماً جارفاً نحو السينما المصرية، باعتبارها السينما الأم في المنطقة، وهي المعلم الأول له.

لا يخفي بو زيد تأثره بالمخرج المصري يوسف شاهين وطريقة إدارته الخاصة للممثلين، ولكنه يصب جام غضبه على ما سُمي السينما الاستهلاكية المصرية، وبالتحديد سينما المليودراما الشهيرة واستسهال السينمائيين المصريين - من وجهة نظره - تقديم الفواجع والميلودراما الزاعقة التي تداعب عواطف الجمهور، وتُخدر عقله، وتبعده عن استبصار الحقيقه.

ينتقد أيضاً السينمائيين المصريين لأنهم برأيه يمسكون العصا من المنتصف، التي تراوح ما بين فنية السينما وجمالياتها، وما يُرضي ويُشبع رغبات الجمهور، فتكون النتيجة، عملاً متواضعاً فاقداً للطموح السينمائي.

التقينا في مهرجان الرباط، لسينما المؤلف، وتفضل ودعاني على العشاء، وتجاذبنا أطراف الحديث، وفجأة وجّه إليَّ السؤال الآتي: لماذا يهاجمني السينمائيون المصريون عندما أنتقد السينما الاستهلاكية، ويصورون هذا هجوماً على مصر؟

قبل أن أجيب، استطرد وقال: "أنا أحب مصر بلا ادعاء، وأحب السينما المصرية، وعندما أشتبك معهم بتفصيلة ما، فليس هذا معناه على الإطلاق أنني أكره السينما المصرية التي لها فضل في تكويني".

سَعِدت بهذا التوضيح، من مخرج كبير يُعَدّ علامة من علامات السينما العربية. قد تختلف أو تتفق معه، لكنك لا تملك إلا أن تحترم وجهة نظره واشتباكه الدائم والمستمر مع الحياة والفن.

المساهمون