نضال عبده يعود إلى فلسطين راقصاً

07 اغسطس 2023
شارك مرتين في مهرجان رام الله للرقص المعاصر (من نضال عبده)
+ الخط -

أصرّ والد مصمّم الرقص والراقص الفلسطيني نضال عبده، مؤسس فرقة "نفس" في فرنسا، نبيل عبده، المُهجّرة عائلته من يافا، على أن تلد زوجته الأوكرانية ابنهما عام 1989 داخل مخيم اليرموك للاجئين في دمشق، للتأكيد على فلسطينيّته. ومن يومها عاش نضال عبده في أسرة تهوى الفنون، فوالده من عشاق المسرح ووالدته مُعلّمة بيانو. ومنذ طفولته، كان يرافق والده لحضور المسرحيّات في سورية، والتحدث إلى الممثلين، حتى إن المسارح باتت تعرف العائلة، وكثيراً ما ترحب بدخولها إلى العروض مجاناً.

في المخيم، انضم نضال عبده إلى فرقة فنون شعبية فلسطينية برفقة شقيقه الأصغر مارسيل. ومنذ كان في سن التاسعة، انتسب إلى مدرسة الباليه في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق بتشجيع من والدته. "الباليه فن صعب، ولم يكن دارجاً بين الذكور، والفنون الشعبية كانت تستهويني أكثر"، يقول لـ"العربي الجديد".

التحق لاحقاً بفرقة "إنانا" السورية الشهيرة للرقص الشعبي متدرباً ثم محترفاً في الفترة ما بين 2005 و2010، وشارك معها في مهرجانات عربية ودولية.

كان عبده يسعى، كما يكشف لـ"العربي الجديد"، للتوجّه إلى لبنان لتحقيق حلمه بالمشاركة راقصاً في فرقة "كركلا" الشهيرة. في بيروت، وكان ذلك عام 2010، انطلق إلى مقر الفرقة الحلم، وهناك قُبل بعد اختبار أجري له، ليعود إلى سورية مجدداً يجمع ملابسه وحاجيّاته، ويبدأ مشواره الجديد. استمر نضال مع "كركلا" ست سنوات حتى العام 2016، وهناك تعلّم أنماط أدائية متعددة ونمطاً يمزج ما بين "غراهام ستايل" والرقص الكلاسيكي والرقص الفلكلوري، لينتقل بعدها إلى باريس.

ومن فرنسا، عمل مع عدّة فرق وشركات راقصة وموسيقية في العديد من الدول الأوروبية، من دون أن يفارقه حلم أن يؤسس فرقته الخاصة، كما كانت له تجربة بالرقص في "ديزني لاند"، هو الذي أنهى دراساته العليا في الرقص المعاصر من المركز الوطني للرقص في باريس.

ومنذ وصوله إلى باريس، كان قد بدأ بالموازاة مع أعماله المتعددة البحث عن راقصات وراقصين يشاركونه حلم تأسيس فرقته. "كان معظم من أعرفهم من الراقصات والراقصين المهاجرين إلى أوروبا يقيمون في برلين، فتوجهتُ إلى هناك، وخلال أسبوعين أنجزنا عملاً وصورناه بعد عرضه مرّة واحدة، وكان عبارة عن قصص مختلفة هي قصصنا وقصص الآخرين، وكانت أشبه بالقذائف، لكنّي لم أستطع مواصلة الطريق، لعدم توفر الإمكانيات، ولنقص العلاقات حينذاك"، يقول.

عام 2018، شارك في مهرجان فنّي يجمع الفنانين السوريّين في المهجر على مدار أربعة أيام، وطلبت منه إدارة المهرجان أن يصمّم عملاً خاصاً، فكان "ماذا لو غداً؟" الذي ضم أربعة راقصين، وعرض في أول حضور له في مهرجان رام الله للرقص المعاصر عام 2019، في تلك الزيارة التي كانت شكلاً من أشكال العودة إلى بلاده، وهي العودة التي كان يحلم بها والده وجدّه من قبله، ولم تحقق لهما، كما عرض في مهرجان رقص الربيع العربي في معهد العالم العربي في باريس، ثم في العديد من المهرجانات العربية والعالمية، قبل أن يبدأ العمل على عمل جديد حمل عنوان "إن موشن"، وتشكل في فترة جائحة كورونا، ومن وحي عزلتها.

وهذان العملان كانا باكورة إنتاج فرقته التي أسسها في باريس وحملت اسم "نفس"، وتقوم على فكرة اشتراكية ما، فكل مشروع لعمل راقص، وإن كان من فكرته وتصميمه، لا يكتمل إلا بمشاركة المبدعين الآخرين المرافقين له من راقصات وراقصين، وهي الفرقة التي تأسست عام 2018، وهي مرخصة رسمياً في فرنسا، ولا يقتصر عملها على إنتاج العروض الراقصة، وآخرها "هابيتوس" عام 2021، وشارك به الشهر الماضي في مهرجان رام الله للرقص المعاصر 2023، بزيارته الثانية إلى فلسطين، عبر المهرجان نفسه.

"كانت زيارتي إلى فلسطين، ومن دون مبالغات، حلمٌ تحقق عام 2019، وكم تمنيّت لو كان والدي حينها على قيد الحياة، لأنه من كان يتمنى رؤيتي راقصاً ومصمم رقص، وأن أؤسس فرقة، وأن أزور فلسطين"، يروي لـ"العربي الجديد". ويضيف: "شعوري من الصعب وصفه بالكلمات؛ أن أزور فلسطين أولاً، وأن أعرض فيها مع فرقتي ومن أفكاري وتصميمي لأبناء شعبي على أرضها... جبتُ العالم كله بعروضي، لكن لم أشعر مرّة بما شعرتُ به عند تقديمي عرضي في فلسطين. شعرت أنني أعرض في بيتي وبين أهلي وناسي، خاصة مع الدعم الذي لم يكن مسبوقاً ولم يتكرر بعدها من الجمهور الفلسطيني في رام الله، وهو ما كان أيضاً مع هابيتوس هذا العام، ما عزّز شعوري بالانتماء ليس فقط لفلسطين وقضيتها، بل ولجغرافيتها وأهلها أيضاً. استمديتُ طاقتي في العرضين من الحضور، وكأنني خارج نطاق الجاذبية الأرضية، أحلّق عالياً فرحاً وأملاً وسعادة وفخراً وجمالاً وأخوّة، وأكثر من ذلك".

وكشف مصّمم الرقص الفلسطيني الأوكراني الفرنسي أنه زار يافا عام 2019، وبدأ يبحث عن منزل جدّه، وخلال رحلة البحث، هناك من أرشده إلى متجر قديم يبيع النظارات الطبية. "أجلسني لديه، وبدأ يتصل بكبار السن من أهل يافا الأصليين، وعلم حينها أن المنزل المنشود كان في حي المنشية الذي تدمّر بالكامل بعد عام 1948. كان ذلك مفجعاً ومؤثراً. عدت إلى يافا حيث كان جدّي، لكني وجدت منزله، بل الحي بأكمله، قد أزيل عن الخريطة".

المساهمون