كان الأردن نهاية سبعينيات القرن الماضي نقطة انطلاق مهمة للفن العربي بمختلف توجهاته من دراما، وسينما، ومسرح، وموسيقى. وقد يفاجأ البعض إذا علموا أنّ البلاد كانت تحتضن أحد أكبر وأحدث الاستديوهات فنية في الشرق الأوسط، يديرها مخرجون وفنيون ومهندسون أردنيون بكفاءة واقتدار، حتى أنّ بعض أفلام السينما المصرية كانت تصور فيها. كما مثّل الأردن قاعدة انطلاق عربية واسعة لعدد من نجوم الغناء العربي، ساهمت ثلاثة عوامل فيها: استعداد الجمهور لتلقي الفن الحقيقي، وتوفر عوامل الإنتاج، و"مهرجان جرش للثقافة والفنون".
ومن عمّان مرّ نجوم غناء عرب كثيرون، لكنّ مطربي الأغنية العراقية كانوا الأكثر استفادة من المناخ الفني الموجود آنذاك. "العربي الجديد" تسلط الضوء على تجارب كاظم الساهر، وماجد المهندس، وحاتم العراقي الذين يعدون حالياً أبرز الأصوات الغنائية العراقية.
قبل أكثر من ثلاثة عقود، لم يكن يسمع الأردنيون من الفنانين العراقيين إلّا ناظم الغزالي. لكنّ "مؤسسة الإذاعة والتلفزيون" و"الشركة الأردنية للإنتاج" كانتا سباقتين نهاية السبعينيات من القرن الماضي في إنتاج البرامج الغنائية والاستعراضية التي كانت توزع على كافة المحطات العربية آنذاك، إذ كانت منضوية تحت لواء اتحاد إذاعات الدول العربية، فأتيحت الفرصة للكثير من الفنانين العرب للانتشار. وتميز التلفزيون والإذاعة الأردنيان بتطوير استديوهاتهما، ما أغرى المنتجين والمخرجين والفنانين العرب. ولعل الأردني الراحل حسيب يوسف (1936 – 2000) أول مخرج عربي يصور أعمالاً تلفزيونية وغنائية لكبار النجوم، وكان برنامجه "استديو" الذي كان يقترن اسمه سنوياً بالعام الذي يقدم فيه عبر شاشة التلفزيون الأردني، بين عامي 1979 و1994، أول برامج المنوعات والحوار في الإعلام العربي.
كما أنّ أزمات العراق السياسية المتلاحقة وغزو الكويت عام 1990 أغلقت ما تبقى من منافذ أمام المبدعين العراقيين الذين توجه كثير منهم إلى الأردن. في المرحلة الأولى، كانت إطلالات الفنانين العراقيين في التلفزيون الأردني محصورة بفنانين محدودين، هم سعدون جابر، وإياس خضر، وصلاح عبد الغفور، ومحمود أنور، والثنائي مي ووحيد، رغم أنّ المطرب الريفي عبد الجبار الدراجي كان يعتبر الفنان العراقي الثاني الأكثر شهرة في الأردن، بعد ناظم الغزالي.
وفتحت أزمة الخليج الباب واسعاً أمام كاظم الساهر للانتشار في الأردن بشكل أكبر، بعد أن كانت أغنيتا "عبرت الشط" و"لدغة الحية" سبب شهرته فيه وفي بلده العراق والكويت ومناطق في الخليج العربي. وساعده ظهوره المتكرر على شاشة التلفزيون الأردني عبر برنامج "نجوم"، وهو ما انسحب تالياً على مجموعة كبيرة من نجوم الغناء العراقي الذين مروا بالأردن، كنقطة انطلاق نحو العالم العربي، مثل قاسم السطان وحاتم العراقي وعلي العيساوي وهيثم يوسف وعادل عقلة وحسين البصري وماجد المهندس.
كما مر على الأردن شعراء وملحنون، مثل طالب القره غولي، وعباس جميل، وعزيز الرسام، ونزار جواد، وجعفر الخفاف، وأسعد الغريري، وكريم العراقي، وطاهر سلمان، وكريم هميم، ووليد حاتم، ويقظان الجريان.
الفنان مالك ماضي الذي يعد من أوائل الفنانين والموسيقيين الأردنيين الذي تعاملوا مع الفنانين العرب منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وأول نقيب للفنانين الأردنيين عام 1997، يقول إن "الأردن شكل نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات منجماً لانطلاق الكثير من النجوم العرب عبر استديوهات التلفزيون الأردني ومهرجان جرش". ويضيف: "جاء الساهر إلى عمّان كالفدائي الذي يحمل كلّ الأسلحة معه، ملحناً لكلّ النصوص الغنائية التي قدمها خلال الفترة من 1990 وحتى 1996. وأعتقد أنّ لمنذر كريم (مدير أعماله السابق) وللشاعر عزيز الرسام دوراً في انتشاره الفني".
ويتفق المخرج حسام حجاوي مع رأي مالك ماضي، حول أن غالبية الفنانين العرب الذين استفادوا من الأردن اعتبروه ملجأ مؤقتاً ومحطة "ترانزيت" للوصول إلى الجمهور العربي والانتشار والنجومية. ويعتبر حجاوي، الذي أخرج عام 2000 كليب "أنت تجنن" لماجد المهندس، أنّ الفنانين العراقيين استفادوا من المنابر الإعلامية والفنية الأردنية لإثبات وجودهم، واستغلوا مواهبهم في إدخال اللون الغنائي العراقي إلى الأذن العربية عبر الأردن الذي كان دوره محصوراً بـ"الاستقبال والتوديع"، من دون أن ينعكس ذلك جلياً على الغناء الأردني الذي تقهقر بمختلف محاوره، بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تعصف به، وعدم وجود جهة سيادية ترعاه.
وفي الإطار نفسه، يرى المخرج حسين دعيبس، الأردن حاضنة لإبداع المغنين العراقيين ومؤثرة في وصولهم للجمهور العربي. وعلى عكس كلّ المبدعين الأردنيين الذين تعرفوا على نجوم الغناء العربي أثناء مرورهم بالأردن، تعود معرفة دعيبس بمعظمهم إلى سنوات تواجده مرتحلاً بين عواصم العالم، كمصور تلفزيوني لعدد كبير من وكالات الأنباء العالمية، قبل أن يتجه لعالم الفيديو كليب متعاوناً مع أبرز النجوم.
ويقول: "كان الأردن لفترة طويلة مصدراً للنجوم، رغم أنه أخفق في تصدير نجم أردني غنائي يستمر على الساحة العربية". وحول تعاونه مع نجوم الغناء العراقي الحاليين، كاظم الساهر وماجد المهندس وحاتم العراقي الذين انطلقوا من الأردن بإمكانات متباينة، يقول دعيبس "تعرفت على الساهر في القاهرة عام 1995، ورغم أنّه كان موجوداً في عمان قبل ذلك التاريخ بسنوات، رتب القدر لقاءنا الأول في مكاتب ART حيث كان هناك اتفاق بأن أتولى إخراج كليبين له، ومثلهما لليلى غفران. صورت أول كليب مع الساهر في ألمانيا نهاية العام نفسه لأغنية 'زيديني عشقاً'. وفي العام التالي 1996 صورت معه في لندن كليب 'ها حبيبي' ومن هناك بدأت الثنائية معه". ويشير دعيبس إلى أنّ "شركة الخيول للإنتاج والتوزيع الفني"، طلبت منه عام 1997 تصوير أغانٍ للفنان ماجد المهندس، فتعرف عليه، وصور له أغنيتين إحداهما "مو بس حبك" ثم انقطعت الصلة معه بعد اختفائه لسنوات عن الساحة الفنية.