برنامج "نجوم الأولى"... هيمنة وجوه غنائية رائدة وغياب التجارب الجديدة

04 ديسمبر 2022
يقدّم رشيد العلالي برنامج "رشيد شو" الذي يحقق نسبة متابعات عالية (فيسبوك)
+ الخط -

بين الفينة والأخرى، يُطالعنا التلفزيون المغربي ببعضٍ من برامجه الفنّية الجديدة التي، وإنْ كانت تقليدية على مُستوى الصناعة والإعداد، فإنّ بعضها يبقى هامّاً كفكرة بصريّة تقوم على عرض أو تتبّع سير بعض الموسيقيين والمغنّين في المغرب حيث يروم المخرج إلى سبر أغوار بعض الشخصيات والكشف عن ملامحها الفنّية والأسباب التي جعلتها تطرق باب الغناء دون غيره من الفنون. وهي معلوماتٌ هامّة تخرج عن كونها ثرثرة، لأنّها تغدو ذات شرعية مُؤسّسة بالنسبة لخطاب للناقد الفنّي، خاصّة إذا مزج البرنامج بين صناعة فنّية بصريّة على مُستوى المؤثّرات والمونتاج والموسيقى التصويرية، وأسئلةٍ حارقةٍ قلقة مُوجهة إلى الضيوف.

هكذا تكون الحلقة عبارة عن سفرٍ بصريّ في جسد الفنّان أو الفنّانة، بغية فهم واستيعاب تجاربهم الفنّية وأنماطهم الغنائية وقوالبهم الموسيقيّة. لكنّ مُشكلة هذه البرامج أنّها لا تخرج عن الطابع التكريمي الذي يُجهض أيّ محاولةٍ تحرّرية من الصُوَر النمطية داخل التلفزيون. الأهمّ هو فتح نقاشِ مُعمّق حول بعض قضايا الساحة الفنّية، والجهر بحقائق حول طبيعة المُمارسة الموسيقيّة في المغرب، والأسباب التي تُعيق تقدّمها مقارنة بفنون بصريّة أخرى. إذْ رغم التعدّد الموسيقي المُركّب الذي يتميّز به البلد، لم تنجح هذه الموسيقى التقليدية في التأثير على المُستمع المعاصر.

فالأغنية المغربيّة الأصيلة مُغيّبة داخل المهرجانات المغربيّة. وعلى الرغم من وجود هذه البرامج الفنية التي تهتم بها وبروّادها، فإن عملية تلقّيها من المُستمع تبقى هشّة ومُتصدّعة، لأنّها ما زالت تُمارس وتبدع بنفس الطريقة التي صُنعت بها خلال سبعينيات القرن العشرين.

هذه المعطيات حاضرة بقوّة داخل برنامج "نجوم الأولى" حيث تغيب التجارب الجديدة، في مقابل حضور أخرى رائدة ذات علاقة بالموسيقى الشعبية. أغلب الضيوف ينتمون إلى أجيالٍ غنائيةٍ رائدةٍ، وسبق لهم الحضور كضيوف داخل برامج أخرى وقدّموا معلومات يبدو المُتلقّي اليوم غير مُهتمّ بها، وإنْ كانت ذات صلة بتاريخ الأغنية المغربيّة. طبيعة هذه اللقاءات تعكس تصدّعاً في الرؤية وهشاشة في فهم طبيعة البرامج الحوارية المعاصرة، وهي في العادة مُسايرة لتحوّلات الصورة ومُتخيّلها، بحكم أنّ الرهان على الموضوعات الجديدة وعلى تقديم معلومة ذات علاقة بشخصية الفنّان، لكون الناس تتطلّع بشدّة إلى معرفة حقائق شخصية، بدل تقديم معلومات معرفية حول فنون العيطة وآلاتها الموسيقية التقليدية.

وهذا السبب هو الذي يجعل بعض البرامج مثل "رشيد شو" ناجحاً ويحصد عدد مُشاهداتٍ عالياً، إذْ على الرغم من المادّة الترفيهية التي يُقدّمها، فإنّ الناس تُتابع البرنامج باستمرار لمعرفة كواليس بعض الشخصيات والأسباب التي ساهمت في نجاحها وذيوعها. لم يعُد المُشاهد في حاجة إلى معرفة عَالمة، فكل ما يُريده هو مادّة ترفيهية، تجعله يستمتع بالحلقة من خلال معرفة أخبار النجوم والمطربات وحياتهم الشخصية وعلاقاتهم الزوجية وبداياتهم الأولى في عالم الموسيقى والغناء.

 مع ذلك، يبقى الأسلوب البيوغرافي ومزجه بالمعلومات الفنّية أهم ما يُميّز هذا البرنامج ويجعل سيرته مُستمرّة في ذهنية المُشاهد، سيما داخل صناعة فنّية غنائيةٍ، لا تتوفّر على أدنى الشروط التوثيقية الخاصّة بمونوغرافيات النقد الموسيقي وتوثيق تجاربه وذاكرته وتقديم معلوماتٍ دقيقة حول بعض آلاته وطبيعة مُمارساته، بما يجعله حاضراً في وجدان المُشاهد.

المساهمون