نبيل صوالحة: أنظر إلى الفن من "خرم الباب"

14 نوفمبر 2021
صوالحة: الضحك علاج كامل وشامل للصحة الجسدية والنفسية (من الممثل)
+ الخط -

قال الفنان الأردني نبيل صوالحة إنه يعيش حالياً في "سبات فني"، واصفاً المرحلة بـ"فترة النقاهة نصف الإجبارية". ويوضح الفنان الكوميدي الساخر موقفه في حواره مع "العربي الجديد"، قائلاً: "أنظر وأتابع ما يجري في الساحة الفنية من خرم الباب. منذ عامين، وبسبب جائحة كورونا، زادت الساحة الفنية فقراً على مختلف الأصعدة، فكان صعباً عليّ تقديم أعمال بغرض التواجد فقط، والجمهور يعرف أنني أنطلق من المسرح في عملي".

ويتكئ صوالحة على كمٍّ كبير من الأعمال المسرحية الساخرة والناقدة للحال التي تحاكي الواقع المعيش، والتي لا تخلو من الإسقاطات السياسية. فالفنان الثمانيني اشتهر منذ بداية تسعينيات القرن الماضي بتقليده للحكام العرب في مسرحياته، يقول عن تجربته: "أؤمن بأن المسرح هو من يتعامل مع الناس ضمن قضاياهم، فأي مسرح يجب أن تمنحه بعداً محلياً، مع اعترافي بأن المسرح في العالم العربي تنفيسي ويعبّر عن دواخل الناس، وذلك لأن الجمهور العربي مسيَّس حتى العظم، ولذلك تجده يفضّل المسرح السياسي الاجتماعي الكوميدي الناقد". ويرى صوالحة أن أكثر المسارح التي تجد قبولاً وشعبية، هي التي تقدم الأعمال السياسية الساخرة، بسبب إحساس الناس بالمعاناة والديكتاتورية المحلية والعالمية، فالمواطن أينما وجد هو "مضغوط" ويبحث عن متنفس يجده غالباً في هذا النوع من الأعمال، فالتنفيس مهم جداً لتفادي الضغط المسبب للانفجار أو التطرف.

يشدد صوالحة على أن الفن حتى يكون مؤثراً، عليه أن يحمل قضية، شارحاً: "عند تحول الفن للهو فقط، سيصبح بلا معنى ومضيعة للوقت، فالفن حسبما أعتقد هو اللَّبِنة الأساس الرابعة في البناء الاجتماعي لأي مجتمع بعد البرلمان والصحافة والدولة. ورسالة الفنان بالدرجة الاولى أن يعلي من قيمة الفن، وأي فنان يتحدث بأن رسالة الفن أصبحت من الماضي وأن همه الشهرة وجمع المال، فهو بذلك يسطّح حرفته ويتحول فقط إلى محصل أموال وهجين شهرة، وبالتالي سيفقده ذلك تركيزه ويضعف عمله تالياً. فالممثلة الأميركية أنجلينا جولي التي قد لا تعجب كل الناس، استطاعت تسخير شهرتها في رسالة إنسانية أوصلتها إلى قلوب كل البشر، وقياساً على نفسي، أقول إن جزءاً كبيراً من عملي هو تثقيف الناس وزرع الابتسامة في قلوبهم وعقولهم".

وحول قدرة الفنان الساخر على تقديم فن يوازي ما يجري على الأرض، من صعوبات سياسية واقتصادية واجتماعية، يبين صوالحة، قائلاً: "الفن والكوميديا الساخرة يحتاجان لأجواء مريحة، واليوم العالم العربي يعيش دوامة من القلق ويقف على حفة قبره، لذلك تجد أن أغلب الأعمال الكوميدية المقدمة حالياً تنمي للكوميديا السوداء". وينفي صوالحة أن يكون قد "غاب مسرحياً" عن المشهد الساخر السياسي بعد أن ارتفع سقف الحرية في السنوات الماضية بفعل ثورات الربيع العربي، ويؤكد: "لم أغب، فأنا في الوقت الذي كان ينظر فيه للثورات العربية بإيجابية، قدمت مسرحية (إرحل) وهي الكلمة التي كانت توحد المتظاهرون ويرددونها في وجوه بعض الزعماء كي يرحلوا، لكن مع مرور الوقت، للأسف تبين أن الشعوب هي التي ترحل ويبقى الزعماء في أماكنهم، واتضح بعد عدة سنوات من انطلاقة شرارة الربيع العربي أن شعوبنا يفهمون أن الحرية معناها التعدي على الآخرين، فغاب الحوار وسيطر التطرف وبتنا لا نعلم أيهما صاحب الحق".

وعن سبب عدم اجتماعه فنياً مع دريد لحام أو عادل إمام، ولا سيما أن الخط الكوميدي السياسي الساخر هو من يجمع تجاربهم، يوضح صوالحة: "لنكن صرحاء مع أنفسنا. هناك عدة عوامل، أولها: الفن في مصر وسورية أخذ أبعاداً وشهرة عربية أكبر بكثير من الفن في الأردن لعدة عوامل معروفة للمشتغلين في الساحة الفنية العربية، وثانيها: أن دريد لحام وعادل إمام عرضا مسرحياتهما عربياً، ولا علاقة لها بمقياس الحرية والنص المكتوب، حيث استخدما الكثير من الرمزية والإسقاط غير المباشر على الكثير من الأحداث حتى يعرضا ما قدماه، لكن في الأردن الأمر مختلف؛ فلا رقابة كانت على نصوصنا، حيث هامش الحرية أكبر، وكنا وما زلنا نسمي الأشياء بمسمياتها ونقلد الزعماء والرؤساء العرب كما هم دون مواربة، وهذا ما يستحيل معه العرض في دول عربية كثيرة، لأنك وقتها ستكون معرضاً للاعتقال أو الموت، وهذا ما حدث فعلاً في أكثر من بلد عربي، إذ مُنعتُ من الدخول، لذلك كانت عروضي تحظى بنجاح كبير لدى عرضها في الأردن، وهذا كنت ألمسه شخصياً من تفاعل الجمهور العربي معي. وثالثها: كل كوميدي له شخصيته الخاصة، وهي صعبة التمازج مع كوميدي يماثله بنسبة كبيرة قد تصل إلى 99%، وهذا التمازج يجب أن يكون من عدة نواح، أهمها التركيبة الجسدية والعقلية، ولذلك تجد أنني عملت لمدة طويلة كثنائي مع الفنان الأردني هشام يانس، وحققنا نجاحاً مشتركاً، وهذا ما ينطبق أيضاً على ثنائية دريد لحام مع نهاد قلعي، وثنائية عادل إمام مع أحمد راتب وعمر الحريري ومصطفى متولي ويسرا مسرحياً وسينمائياً".

وينفي صوالحة تعرضه لمشاكل أو عقبات بسبب تقديمه شخصيتي الملك الراحل الحسين بن طلال أو الملك عبد الله الثاني، مبيناً: "نتمتع بالأردن بمناخ وهامش كبير من الحرية، وإن كنت قد استفدت من هذا المناخ بمسؤولية شديدة، كما حققت المسرحيات التي قدمتها نجاحاً وانتشاراً كبيراً بين الناس، والحمد لله لاقت قبول كل من حضرها في المسرح أو على (سيديهات)، ولا بد من التأكيد أن المسرحيات التي تقصدها حضرها الملك الراحل والملك الحالي ويمكن العودة إلى مسرحياتي على (يوتيوب) وتتأكد من ذلك بنفسك، وكذلك الأمر انسحب على رؤساء الوزراء والوزراء أنفسهم في الأردن".

ويؤشر صوالحة على قضية هامة ينصح بها الناس، ويقول: "الضحك علاج كامل وشامل للصحة الجسدية والنفسية، فمن المهم جداً معرفة أن الضحك والنفس الجيد أكبر مقاومين للأمراض التي تنتج عن التوتر كالسرطان. وإذا عدنا للحديث النبوي الشريف "ابتسامتك في وجه أخيك صدقة" فنستطيع وقتها أن ندرك أن الابتسامة تجلب الابتسامة وتحسن الأجواء وتلغي العداوة، فالمبتسم لا وقت لديه للحسد والنكد وسمّة البدن. والضحك أصبح علماً قائماً بذاته، حيث وجد أنه يقوي المناعة ويخفف الآلام، وهو أنجع رياضة للقلب وللجسد في آن واحد، فعندما تضحك بشكل متواصل لمدة عشر دقائق، يوازي ذلك أربعين دقيقة على جهاز المشي الرياضي الإلكتروني".

المساهمون