نار الطبخ بين الحماة والكنّة

14 ابريل 2014
رسم نضال ديب
+ الخط -

المكان: مطعم "ست الحسن"، المنارة، بيروت.

الزمان: مساء يوم شتوي دافئ.

المناسبة: أربع صديقات في اجتماعهنّ الشهري "المقدّس".

أغلقت غنى لائحة الطعام بعصبية: "صبايا، اتّخذت قراري، سأطيح بالملكة الأمّ، وسيكون المطبخ مملكتي من دون منازع. سأهزم حماتي شر هزيمة"!

لعلع الضحك على الطاولة:

- "المسلسلات التركية أكلت عقلك يا سلطانة؟"، سألت لينا.

- "ألن ننتهي من مسلسل طبخة حماتي هذا؟"، سألت صباح.

- "قريباً، إن شاء الله، وسيعترف عدنان، أمام أمه أنّ طبخي هو الأطيب!"

- "مبالغاتك لا حدود لها يا غنى، تريدين التفوق على حماتك والدراما التركية؟" أجابت لميس.

- "نعم، وسأسرق طعمِة تِمُّه (فمه) من إمُّه". قالتها غنى بإصرارها المعهود.

"طبخ من ألذ؟"، واحدة من تجليّات الصراع التاريخي بين الحماة والكنّة.

"ماما، اشتقت لطبخة المحاشي من يديك"، جملة بريئة قد يقولها الرجل، لكنّها كافية لإشعال نارين في بيته الزوجي: الغيرة وغاز المطبخ.

محاولات حثيثة تقوم بها المرأة، بين التقليد والتطوير، علّها تسلب من حماتها ما تبقى من امتيازات ما زالت تتمتع بها.

"الرجل ـ الطفل يحنّ دائماً إلى حضن أمّه وإلى طنجرتها"، قالت غنى بسخرية، وتابعت: "تخيّلوا موقفي عندما أكون متخاصمة مع عدنان ونجلس حول مائدة طعام أمّه يوم الأحد. تشمّ حماتي رائحة المشكل سريعاً فيرتفع عيار الغنج والدلال، وهي تسكب الطعام لابنها، وقد تقول ممازحة: في أطيب من أكل الماما؟ تغذّى حبيبي تغذّى".

إذاً في مواجهة خبرة حماتها الطويلة في الطبخ تحلم المرأة في فكّ هذا الارتباط العضوي بين زوجها وأمه، وقد لا يهنأ بالها قبل أن تفطمه عن طعم أطباق الوالدة.

لذلك تسعى إلى إضفاء لمسات جديدة لم يعرفها على مائدة طفولته. هذا ما حرصت عليه لينا ونصحت به غنى: "جدّدي طقم السفرة، لوّني الصحون، زيّني الطعام، ضعي شموعاً معطرة على سفرة العشاء، حوّلي حبة البندورة إلى وردة حمراء، حلّي طعامك بالرومانسية ونافسيها في مجال آخر...".

أما صباح، فكان لها رأي آخر "لم أستطع يوماً أن أهزم أكلة الفتّة التي تحضّرها حماتي ولا حتى طبق الكبسة الذي تطبخه أمي، نفَس الأم في الطبخ مختلف وعتيق، تعطيك الوصفة بأدق تفاصيلها ولا تنجح كما يجب".

"شكراً على الدعم المعنوي يا ست صباح، تنصحينني بالاستسلام ورفع الأعلام البيضاء"، قالت غنى بيأس.

تبتسم صباح "دائما بصلتك محروقة وأحكامك سريعة. يا عزيزتي عندك الإنترنت، ومواقع طبخ من كلّ العالم، دورات في فنون الطبخ يشرف عليها أهمّ الطهاة، اطبخي صيني وإيطالي وفرنسي وتايلندي. حماتك لا تملك آي باد ولا تتقن ثلاث لغات".

"صحيح، يمكن معك حقّ، كما أنّ طبخ حماتي دسم وتصرّ على استعمال السمن البلدي، وعدنان عنده كولسترول، سأهزمها بطريقة أخرى...". هنا ضاق ذرع لميس: ممكن نطلب الأكل يا حلوات. وأشارت بيدها إلى النادل أن يقترب.

"شو بتحبّوا تاكلوا صبايا؟"، سأل النادل، فلزمن الصمت ثم أجاب النادل:  ياصبايا ..عندنا صحن يومي لبن أمُّه. فلعلع الضحك مجدداً...

 

دلالات
المساهمون