مونيكا بيلوتشي وذلك الهوس

29 يناير 2021
أكبر امرأة تلعب دور فتاة "جيمس بوند" (فاليري هاش/فرانس برس)
+ الخط -

لا يمكن تحديد الفرضية التي يمكن الانطلاق منها في الحديث عن الهوس بعارضة الأزياء والممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي. ربما يرتبط الأمر بخوارزمية "فيسبوك". لكن أشارت للموضوع بعض الناشطات النسويات على صفحاتهن، وكتبن بما معناه: "إلى متى سيبقى هناك من ينشر صور مونيكا بيلوتشي مع ومن دون مناسبة؟".

الموضوع مثير للاهتمام، خصوصاً أن هناك من يواظبون على نشر صورها القديمة والحديثة، احتفاءً بجمالها وسحرها. يزداد الأمر غرابة حين نقرأ تعليقات مثل "بيلوتشي هي سيدة النساء"، و"اللقاح الإيطالي"، و"أجمل من مشى على الأرض". احتفاء متكرر من غير المنطقي الوقوف في وجهه، لكن هناك ما هو غريب من دون القدرة على تحديده، خصوصاً أن صورها توظف في الحسابات الوهميّة، وشكلها يحفز الشعر لدى البعض، والبعض الآخر يكتفي بتكرار مشاركة لقطات مختلفة لها في الشارع، وفي المنزل، وضمن الأفلام التي شاركت فيها.

يرى البعض أن بيلوتشي تمثّل تجسيداً للـMILF. تلك الكلمة التي ابتدعت في فيلم "الفطيرة الأميركيّة" عام 1999، فهي التي مهما ازداد عمرها صارت أجمل، وأشد استحقاقاً ليلهث الرجال وراءها. وهنا يظهر العمر كسلطة، تمكنت بيلوتشي من تجاوزها نظرياً، ما يجعلها الاستثناء. وهنا تكمن الإهانة.

جزء من اللهاث وراء بيلوتشي هو تمكنها من تفادي سلطة الزمن البيولوجي، وما يرتبط به من تغيرات في الشكل، بل إن بعض الصور المنتشرة ترفق هذه المعلومة، في عدم تصديق أن هذه الجميلة عمرها لا يتطابق مع شكلها، وكأن هناك عمراً محدداً، إما تحافظ فيه المرأة على دورها كلحم مشتهى، أو تفقده لتدخل في خانة النسيان والتلاشي.

بعض المقالات تشير إلى أن مشاركة بيلوتشي في فيلم "جيمس بوند" Spectre عام 2015، بوصفها واحدة من فتيات العميل 007، يجعلها أكبر امرأة لعبت هذا الدور (53 عاماً)، متجاوزة الصورة التقليدية لنساء "بوند" اللاتي يتحركن في عمر الثلاثينيات. نحتار هنا أيهما أكثر تجنيساً وإهانة: وصف بيلوتشي بأنها أكبر امرأة لعبت دور فتاة بوند المثيرة؟ أو وصفها بالاستثناء لأن صناعة الترفيه احتوت مَن هنّ أكبر عمراً ضمن أدوار المرأة القوية التي كانت حكراً على الشابات؟

سينما ودراما
التحديثات الحية

هناك مقاربة أخرى لقراءة الهوس ببيلوتشي، تعود إلى بداية الألفية الثانية في فيلم "ميلينا" الذي تظهر فيه موضوع شهوة مراهق، يترصد بها ويتلصص عليها، حين تكتشف ذلك، تسايره في لعبه البراءة، وترضي رغبة طفولية لديه. وهنا نجد أنفسنا مضطرين للدخول في الاختزال الفرويدي، والقول إن دور "ميلينا"، يختزل المتخيل الذكوري، الساذج، الشهواني، ذاك المترصد بموضوع رغبته الذي يظنّ أنه بمجرد اكتشف أمره، فموضوع الرغبة سيشعر بالفخر ويداوي هذه الشهوة الطفوليّة.

هذه الصورة التي قدمتها بيلوتشي مستمرة إلى الآن. وبالرغم من تعدد أدوار الديفا الإيطاليّة، ما زالت تشكل في المخيلة تلك الموضوعة الشهوانيّة التي لا فقط نترصدها، ونتلذذ عن بعد بها، بل نستعرض هذا الأمر ضمن سياق الإعجاب والاحتفاء.

لكن هل هذا هو الأمر حقيقة؟ هل يمكن أن تكون المشاركة اليومية لصورها بهذه السذاجة؟ خصوصا أن بيلوتشي نفسها يمكن اعتبارها كشخصية نمطيّة، هي دوماً تلعب أدواراً متشابهة تتلخص بالمرأة المشتهاة، فهي إحدى زوجات دراكولا، وزوجة الفرعون، وكليوباترا، والأهم، مريم المجدليّة... كل هذه الأدوار ترسخ صورتها كالمرأة المشتهاة حد الاغتصاب كما في فيلم غاسبار نوي Irréversible. ربما نتحامل على أولئك المعجبين ونحرمهم من حقهم في مشاركة صور هي بالأصل للعلن، وهدفها الاستعراض، لكن يبقى شعور الغرابة حاضراً.

المساهمون