موسم الهجرة شرقاً: فن مصري على أرض سعودية

01 مارس 2023
خلال حفل لتامر حسني في جدة عام 2018 (عامر حلبي/ فرانس برس)
+ الخط -

ما من حديث في الوسط الفني المصري في الفترة الحالية سوى عن الانفتاح السعودي المتزايد على مستوى الترفيه، بالتزامن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر، التي تؤثر بشكل كبير ومباشر على صناعة الفن في البلاد. يضاف ذلك إلى أزمات أخرى، منها الاحتكار والتشديدات الرقابية وغياب المنافسة، ما يجعل السوق السعودية الجديدة طوق نجاة للعاملين في قطاع الفن، في الوقت الذي يعتبره بعضهم تهديداً للقوة الناعمة المصرية ومستقبل الإنتاج الفني بالبلاد، بسبب تزايد النفوذ السعودي في هذه الصناعة، التي كانت تتميز بها مصر لسنوات عدة.
تحول النقاش داخل الأوساط الفنية المصرية من الحديث عن التهديدات التي تتعرض لها المشهد الفني بسبب الانفتاح السعودي، إلى الحديث عن هجرة العاملين في الوسط الفني إلى المملكة للإقامة والعمل فيها، خاصة في ظل الازدهار الكبير الذي تعرفه مختلف المجالات الترفيهية. ولم يعد الحديث مقتصراً على حضور النجوم الكبار فقط في السعودية، وإقامة حفلات ومسرحيات هناك، ولكن امتد إلى الحديث عن انتقال الفنيين والعاملين والفئات الأخرى في الصناعة الإبداعية، الذين يمثلون عصب هذا القطاع في مصر.
خرجت مخاوف صناع الفن في مصر من الجلسات الخاصة إلى العلن في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد التطورات في السعودية بتزايد حجم الإنتاج في المملكة. فعبّر المخرج المصري عمرو سلامة، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن مخاوفه من هجرة العاملين في الوسط الفني إلى المملكة. وهو من أوائل الفنانين الذين تحدثوا صراحة عن وجود أزمة عمالة في مصر، بسبب وجود الفنيين في السعودية لفترات طويلة.
وقال عمرو سلامة وقتها: "في عدد كبير من الفنانين وطاقم العمل مش موجودين في مصر زي الأول، علشان يا إما بيصوروا في السعودية لغزارة إنتاجها الآن، أو في لبنان لسهولة الإنتاج فيها... دلوقتي كمان في إرهاصات هجرة للكوادر المحلية وكمان لعملية الإنتاج المصري نفسها...".
وشهدت الفترة الأخيرة بالفعل انتقال عدد من الفنانين والصناع إلى الرياض، خصوصاً هؤلاء الذي يعملون في صناعة الإعلانات، والتي واجهت هجرة ملحوظة للطواقم الفنية فيها، لتأثرها الكبير بالأزمة الاقتصادية نتيجة قلة حجم الإعلانات التجارية، واختلاف صناعة الإعلانات عن الدراما والسينما. فبينما الأخيرة ما زالت مستمرة وتستغرق وقتاً طويلاً في تنفيذها، تعتمد الإعلانات على أيام تصوير قليلة، لذلك غيابها يؤثر بشكل مباشر على العائد المادي للعاملين فيها.
أما اليوم فبدأ الحديث عن انتقال شركات كاملة للعمل في السعودية بدلاً من مصر، خاصة بعد نجاح عدة تجارب في الفترة الأخيرة، وأبرزها شركة "أروما"، أكبر شركة لخدمات ما بعد الإنتاج في مصر، التي افتتحت فرعاً إقليمياً لها في الرياض، وتستحوذ على معظم المهام الإنتاجية وأعمال الغرافيك في مصر، وتضم عشرات العاملين والفنيين. لذلك فإن خطر انتقالها الكامل إلى السعودية يشكل تهديداً كبيراً لحركة الإنتاج في مصر، وقد تشجع شركات إنتاج أخرى لتقليدها.
تأتي هذه المخاوف في الوقت الذي يفكر فيه عدد من صناع السينما في اتخاذ الخطوة نفسها، لسهولة الإجراءات الإنتاجية في السعودية، وللاستفادة من الدعم المقدم من المملكة، لتشجيع مهمة إنشاء شركات أو التصوير داخل السعودية.
هكذا، أعلن الفنان محمد هنيدي عن نيته تصوير فيلمه المقبل بالكامل في السعودية لأول مرة. وصناعة الموسيقى ليست بعيدة عن تلك التطورات، فهي كانت في مقدمة المجالات التي شهدت هجرة كبيرة لأفرادها، خاصة في صفوف العازفين الذين انتقلوا للعمل في فرق الأوركسترا في الحفلات في السعودية، بعد فترة الإغلاق بسبب جائحة كورونا.
حتى الآن، يظل حضور العمالة المصرية في السعودية مؤقتاً، ومرتبطاً بالأعمال التي يتم إنتاجها بالمملكة، فالعازفون يرتبط وجودهم فيها بمواسم الحفلات فقط، ويحضر بعض المطربين لفترات طويلة طوال العام بسبب الحفلات المتتالية، مثل أنغام وأحمد سعد مثلاً. واتجه الأخير إلى إنتاج أغانيه في السعودية لأول مرة أيضاً، واستغل الدعم المقدم من استديوهات "مرواس" الجديدة في الرياض لإنتاج أغانيه الجديدة، ليصبح أول مطرب مصري يتخذ هذه الخطوة.
استديو مرواس الجديد يُتوقع له هو الآخر دور كبير في هجرة الفنيين والفنانين المصريين في الفترة المقبلة إذا نجح في استقطابهم لتسجيل أعمالهم في مجمع الاستديوهات الضخم، خاصة مع تلميح هيئة الترفيه من قبل باشتراطها تسجيل الأغاني في "مرواس" مقابل السماح لأصحابها بالغناء في الحفلات في السعودية.
عبر عدد من الفنانين المصريين في الفترة الأخيرة عن رغبتهم في البقاء في السعودية بشكل صريح، ومنهم الممثل حسن الرداد، وتلقى وقتها انتقادات كبيرة على هذه التصريحات، ولكنه عاد بعدها لإقامة عرض خاص لفيلمه الأخير "تحت تهديد السلاح" في الرياض ودبي قبل عرضه في مصر، وهي سابقة تحدث لأول مرة أيضاً، وتشير بشكل واضح إلى أولويات صناع الفن المصريين في الوقت الحالي بتقديم الرياض على القاهرة في وجهاتهم الترويجية والإنتاجية.

تبقى مسألة حدوث هجرة الفنانين إلى السعودية بشكل ممنهج وواضح رهن التطورات الإنتاجية في المملكة ومصر في الفترة المقبلة، في ظل مؤشرات قد تؤكد حدوثها بكثافة مستقبلاً، مثل التكهنات حول توجّه السعودية لمنح الفنانين إقامات ذهبية، أو الجنسية مقابل البقاء فيها وإنتاج أعمالهم فيها، خاصة بعد فتح باب التجنيس للكفاءات الفنية والتقنية في المملكة، أو تحول منصة شاهد ومجموعة MBC إلى إنتاج وتصوير أعمالها الدرامية المصرية والعربية في السعودية، بدلاً من مصر ولبنان، ووقتها قد تكون هجرة الفنانين اضطرارية وليست اختيارية.

المساهمون