في أيامنا هذه أصبح الجينز من القطع الأساسية التي لا غنى لنا عنها. لا يغيب الدِنيم (denim) في أي موسم جديد من بين الصيحات الأكثر رواجاً لمختلف المناسبات والأوقات، وذلك منذ بداية ظهوره إلى اليوم. فمن منا يمكن أن يستغني عن الجينز في الإطلالات اليومية أو في السهرات لطلّة مريحة وعصرية؟ من الطبيعي أن نتساءل حول التطور الذي حصل في الجينز منذ ظهوره إلى اليوم، كقطعة عصرية أساسية ترافق الجميع، كباراً وصغاراً، ورجالاً ونساء.
ظهر الجينز أولاً عام 1800، واعتمدها في مراحل معينة عاملو المناجم ورعاة البقر ونجوم الروك وهوليوود. أخذ الجينز الأزرق المعروف بالدنيم، وهو القماش الذي صنع منه، اسمه من مدينة نيم الفرنسية التي قد يكون انطلق منها. لكن ثمة جدل حاصل حول ما إذا كان الجينز الأميركي الصنع كان موجوداً سابقاً، وقد أعطي له الاسم الفرنسي أو العكس صحيح، إذ تحوّل القماش الفرنسي إلى نسخة أميركية.
في القرن العشرين، أصبحت تسمية جينز مستخدمة لمجموعة واسعة من السراويل المريحة المصنوعة من القطن أو الدنيم. لكن الجينز الأكثر انتشاراً، والكلاسيكي المتعارف عليه، هو ذاك الذي أطلقه الخياط جيكوب ديفيس عام 1873 وليفي شتراوس (Levi Strauss) صاحب أحد مصانع الأقمشة في ولاية سان فرانسيسكو. صنعا الجينز أولاً من نوعين من الأقمشة، أحدهما هو ذاك المصنوع من الخيش البني، والثاني هو الدنيم الأزرق. إلا أن إطلاق الدنيم بأسلوب 501 حصل عام 1890، وقد ساهم في ظهور الدنيم بالقماش المتعارف عليه حالياً.
طوال عقد، حصلت تحسينات عدة في الجينز، ومنها المسامير التي أضيفت إليه في نقاط معينة لتدعيمه، والخيوط البرتقالية التي أصبحت من العلامات التي تميّز جينز Levi Strauss. أما حمالات الحزام، فقد ظهرت عام 1922، ثم أتى السحاب ليحل محل الأزرار في بعض أنواع الجينز عام 1954. عندما انتهت مدة براءة الاختراع التي كان ديفيس وشتراوس قد حصلا عليها عام 1890، أصبح المجال مفتوحاً أمام باقي المصنعين لإنتاج الجينز بحرية. عندها بدأت شركات أخرى بتصنيع الجينز بأساليب مختلفة.
في مرحلة لاحقة، لعبت هوليوود دوراً مهماً في إضفاء أسلوب رومانسي على الجينز في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وذلك من خلال الإعلانات التي تظهر ممثلو هوليوود الأكثر جاذبية، أمثال جون وين وغاري كوبر، بأسلوب رعاة البقر بالجينز. وكأن ذلك قد شكل دعوة للمستهلكين الذين كانوا يعتقدون أن الجينز مخصص للمناسبات ولعطلات نهاية الأسبوع، فيزداد انتشاراً. كما أن ظهور نجمات هوليوود بالجينز شجع النساء على اعتماد هذا الأسلوب الذي يناسبهن أيضاً تماماً كما هو للرجل.
لكن لم يرتبط الجينز بالأسلوب الشبابي الجذاب حتى عام 1950، وقد ساهم نجوم الروك ونجوم هوليوود في نشر هذه الصورة، ثم في الستينيات والسبعينيات، اعتمده الهيبيون على نطاق واسع تعبيراً عن الدعم للطبقة العاملة. في المقابل، اعتمدت المجموعات النسوية الجينز الأزرق تأكيداً على مبدأ المساواة بين الجنسين.
استمر هذا الانتشار المتزايد تدريجاً للجينز حتى أواخر السبعينيات. عندها، تحوّل إلى نجم على منصات عروض الأزياء وفي الحياة العملية، واستمر كذلك من حينها. فقد بدأ يجذب دور الأزياء الكبرى وكل منها تضيف لمساتها الخاصة إليه بأسلوب مختلف حتى أصبح أغلى ثمناً بعد أن تزيّن بالدانتيل حيناً وبالخرز والتطريزات أحياناً، ما جعله يختلف تماماً عن الجينز في بداياته.
وعام 1976، كانت دار كالفين كلاين أولى دور الأزياء التي قدمت الجينز على منصات العرض، ثم شيئاً فشيئاً أصبحنا نرى الجينز بأسلوب أكثر جاذبية للمرأة. هذا إلى أن انضمت دور فيرساتشي وديور ودولتشي أند غابانا، لتصبح من الدور التي تعتمد الجينز ضمن مجموعاتها وصولاً حتى اليوم، فأصبحت كافة العلامات تتبنى الجينز في مجموعاتها وتقدمه على منصات العروض.
إذا كان قماش الجينز مخصصاً للعمال في بداية ظهوره في أواخر القرن التاسع عشر، ها قد أصبح يباع بمئات الدولارات عندما يحمل توقيع إحدى دور الأزياء العالمية. وإن كان موجوداً أيضاً بأسعار مقبولة في متناول الجميع عندما لا يكون من صناعة إحدى العلامات الكبرى.
طوال عشرات السنوات رأينا الجينز بأساليب مختلفة وقصات متنوعة متأثراً بثقافات معينة. وعلى الرغم من أنه من القطع التي حافظت إلى حد ما على أسلوبها الأساسي، فإننا نراه يعود في كل موسم من بين الصيحات الرائجة بقصات مختلفة أحياناً، أو بأسلوب جديد، فقد نجده بقصة ضيقة أو واسعة، بخصر عال أو منخفض، بألوان داكنة أو بلون فاتح. كما أن الجينز الممزق راج بكثرة في السنوات الأخيرة.