بعد موسمين صدرا في 2016 و2019، عرض الموسم الثالث من الأنمي الياباني "موب سايكو 100" Mob Psycho 100، أواخر العام الماضي، لتصل بنهايته مغامرة المراهق الروحاني شيغيو كاغاياما، الملقب بموب، إلى خواتيمها.
اقتبس العمل عن سلسلة مانغا تحمل الاسم نفسه لفنان المانغا وان، وأنتجته شركة بونز التي قدمت "ماي هيرو أكاديميا" My Hero Academia و"فول متال ألكمست" Fullmetal Alchemist.
اشتهر وان، الشخصية الغامضة، بفضل سلسلة أخرى تحمل اسم "وان بنش مان" One Punch Man، تتناول قصة بطل خارق غير تقليدي، يدعى سايتاما، يتميز بصلعته اللامعة وبقدرته على تدمير خصومه بلكمة واحدة، لكن حياته حزينة ورتيبة بلا هدف ولا وجهة. نجح العمل بفضل حبكته غير المعتادة وحسه الفكاهي الساخر، وحظي بشهرة واسعة سهلت إطلاق "موب سايكو 100" الذي تتقاطع بعض عناصره مع العمل الأول.
تدور الأحداث في يابان متخيلة وهزلية، فيها الأشباح والأرواح والفضائيون. في مكان يسمى مدينة الفلفل، نتتبع قصة الطالب في مدرسة التوابل الإعدادية، موب، والذي يبدو للوهلة الأولى عادياً جداً، لكنه في الحقيقة يملك قوة روحانية خارقة تسمح له بهزيمة الأشرار الواحد تلو الآخر.
على العكس من الأبطال الخارقين الذين اعتدنا عليهم، لا يشعر موب بالراحة لامتلاكه هذه القوة ويحاول إخفاءها قدر الإمكان، فهو يعيش في خوف من إساءة استعمالها أو تسببها في أذية أحبائه. ينظر المراهق إلى موهبته كنقمة لا كنعمة، فهي تعزله عن عائلته وزملائه في المدرسة، وتخلق في نفسه مشاعر هي مزيج من الخوف والقلق، وهو ما يكبل عواطفه ويوصله في كل مرة إلى الانفجار، بالمعنى الحرفي.
في مقابلته المصورة الوحيدة، يقر وان بأنه استوحى بعض ملامح موب من شخصيته. يؤكد ذلك حديثه في مقابلة أخرى عن شغفه بالمانغا وقضائه سنوات المدرسة في ابتكار القصص والشخصيات ورسمها. لكن المراهق أخفى هذا الجانب من شخصيته، خشية سخرية زملائه المهووسين بالألعاب وكرة القدم. وعززت عزلته ردة فعل أهله العنيفة في كل مرة يجدون فيها رسومه.
رافقت مخاوف الصغر وان حتى اكتشافه مواقع المانغا المخصصة للرسامين الهواة، ما شجعه على الخروج من قوقعته ودفعه لابتكار موب الذي سيختط له رحلة فريدة للتعامل مع الارتباك والضياع المرافقين لسنوات المراهقة.
يركز العمل على مشاعر موب وعلاقاته بمحيطه في البيت والعمل والمدرسة. يجعل ذلك من المسلسل أشبه بعدسة مكبرة على المراهقة، تلك المرحلة الغامضة التي تفصل بين الطفولة والرشد ومصاعبها، في إطار كوميدي ساخر ورقيق في آن واحد.
تبدأ الحكاية مع زيارة موب الساعي للسيطرة على قواه إلى مكتب مختصٍ بشؤون الأرواح، يديره ريغن أراتاكا، وهو شاب في العشرينيات، يزعم أنه "أعظم روحاني في القرن 21". يجد الأخير في موب فرصة لجذب المزيد من الزبائن. وعلى الرغم من كذبه واستغلاله، فإنه يصير مرشداً يقدم له النصائح حول التعامل مع مشاعر المراهقة وقواه الخارقة.
في الموسم الأول يتعلم موب تقبّل قوّته. يزرع ريغن في نفس تلميذه وعقله أنه إنسان عادي، ليس وحشاً مخيفاً ولا كائناً أعلى من الآخرين، كل ما عليه فعله إيجاد منزلة وسطى بين المنزلتين.
في الموسم الثاني، يصير أكثر قدرة على التحكم بقواه، ويتعلم أن بإمكانه استخدامها لمساعدة الآخرين، خاصة أقرانه الروحانيين.
في الموسم الثالث، يجد نفسه أمام المهمة الأصعب: مواجهة نفسه وتقبّلها. يحفز الرحلة الجديدة كتابة التلاميذ فرضاً حول ما يريدون أن يصيروا عليه عندما يكبرون. يُصدم موب بالتصورات الواضحة التي يملكها معظم رفاقه، ويزيد من توتره معرفته أن فتاة أحلامه تسوبومي ستنتقل من المدرسة آخر العام.
اختلف الموسم الأخير قليلاً عن سابقيه. صحيح أن السخرية اللاذعة والمحببة ظلت تغلف مسار الأحداث، لكنه شهد تراجعاً في مشاهد القتال والمواجهات مع الأشرار، وصار الصراع داخلياً بحتاً: موب في مواجهة موب.
أدّى ذلك إلى انخفاض منسوب الإثارة والتشويق في بعض الحلقات لصالح غوص أعمق وشديد الرقة في علاقات الحب والصداقة والأخوة.
مع تزاحم الأفكار في رأسه، وتزايد القلق في نفسه، يقرر موب إبلاغ تسوبومي بحقيقة مشاعره، لكنّ حادث سير مفاجئاً يطرحه أرضاً ويغيبه عن الوعي. خلال ثوانٍ تنفجر قوة موب، ويقوم عن الأرض فاقداً السيطرة عليها. يصير أشبه بوحش منفلت من عقاله، لا هم له سوى الوصول إلى تسوبومي. يكشف انفجاره النقاب عن أنا أخرى تعيش في داخله، لا تبالي بتدمير مدينة الفلفل بغية تحقيق مرادها.
يُدرك الصبي أن موب المدمِر هو نفسه موب اللطيف، لكنه لا يستطيع إيقاف ما يجري. يهدم الأبنية، ويحطم السيارات، ويُخضع من دون جهد كل من يحاول الوقوف في دربه، بمن فيهم رفاقه.
وعندما يتلاشى الأمل ويدب اليأس في النفوس، يعود طيف من الماضي، روح صديقة، ظنّ الجميع بمن فيهم موب أنها اختفت إلى الأبد.
من دون الغوص في تفاصيل قد تفسد متعة المشاهدة، تقلب العودة غير المتوقعة (للشخصيات كما للمشاهدين) مسار الأحداث، وفي لحظة استثنائية ينفض موب عن نفسه عاصفة الحزن والغضب والغرور.
أتت الحلقة الأخيرة مثالية لقصة فريدةٍ من نوعها وممتعة تنوعت فيها أساليب السرد بالرسم والحوار والعناوين.
هكذا، بعد ثلاثة مواسم، وسبع وثلاثين حلقة، تصل رحلة الفتى، بمساعدة الأصدقاء والرفاق الذين تعرف إليهم على طول الطريق إلى نهايتها السعيدة: أخيراً تعلم موب التعامل مع قوّته ومشاعره وأفكاره وتقبلها. لقد أنضجته التجربة وحررته، وصار جاهزاً لدخول مرحلة جديدة في حياته، مرحلة الرشد.