مواقع التواصل والجريمة: حرية التعبير وسط الإبادة

29 يناير 2024
تظاهرة تضامنية في مدينة لاهاي (نيكوس أوكونومو/ الأناضول)
+ الخط -

سابقة تاريخيّة أن يصدر قرار من محكمة العدل الدوليّة بحق إسرئيل كدولة. وعلى الرغم من الانتقادات التي وُجهت إلى القرار، وغياب لفظ واضح وصريح حول "الوقف الفوري" لإطلاق النار في قطاع غزّة"، لكن القرار يفتح الباب على كثير من التساؤلات. مثلاً، جاء في نص القرار أن على إسرائيل أن تعمل "بكامل قوتها" على منع ومعاقبة "التحريض العلني والمباشر على ارتكاب الإبادة الجماعيّة". الاتهام موجه لمسؤولين في إسرائيل، وظفوا مواقع التواصل الاجتماعي للتحريض على فلسطينيي قطاع غزة. وهنا السؤال: ألا تُلام هذه المنصات نفسها التي سمحت بنشر خطاب كهذا؟
الإجابة هنا تمسّ حرية التعبير، وفارسها الأبيض إيلون ماسك، وغيره من بليونيرية مواقع التواصل الاجتماعي. وإن أردنا أن نكون راديكاليين، يمكن القول نعم، يجب ترك حرية التعبير للأقصى. لكن السؤال، بل المسؤولية القانونية تقع على من يقوم بذلك، أي من ينشر وينتج هذا الخطاب. نتساءل عن قدرة من يطلقه على تنفيذ التهديد والوعيد. وفي هذه الحالة إسرائيل التي تمتلك البنى التحتية والقوة العسكريّة لارتكاب الإبادة.
دور وسائل التواصل الاجتماعي في سياق التحريض الإسرائيلي يتضح كونها جزءاً من عملية تضخيم التحريض، والحث على حمل السلاح، ليس فقط في سبيل "الدفاع عن النفس"، بل القضاء على الحياة في قطاع غزّة. وهذا ما تكشفه التسجيلات التي يبثها الجنود والصواريخ الموقعة، وغيرها من أشكال الاحتفاء بالقتل التي تستهدف غزّة بأكملها، من دون التمييز بين مسلح أو مدني. وهذا بالضبط ما يجعل منصات التواصل الاجتماعي عنصراً مساهماً في "التحريض على الجريمة" كونها تنشر وترسخ هذه الدعوات.
إمكانية توجيه الاتهام إلى مواقع التواصل الاجتماعي لدورها في أعمال العنف وخطاب الكراهيّة لا تنحصر في السياق الإسرائيليّ. "فيسبوك" واجهت انتقادات بسبب الدور الذي لعبته في التطهير العرقي الذي تعرض له مسلمو الروهينغا، إذ أصدرت أمنستي بيانا يدين المنصة ويطالب بأن "تدفع الثمن"، ناهيك عن رفع مجموعة من لاجئي الروهينغا دعوى ضد "فيسبوك" تطالب بتعويضات بقيمة 150 مليار دولار، لفشل المنصة في كبح جماح التطهير العرقي.
النظر في دور وسائل التواصل الاجتماعي يعني إعادة النظر في مفهوم التواصل نفسه، وأسلوب عمل هذه المنصات، كونها لم تعد تقتصر على مجموعات محددة من الأفراد الذين يتبادلون المعلومات، بل هي أشبه بمنصات للبثّ تتجاوز الحدود السياسيّة. "الشركة"، في هذه الحالة، مُتهمة، وذات "أثر عالميّ".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

كما أننا، إلى الآن، لا نعلم بعد دور الخوارزميات في التحريض والنشر. صحيح أنها ساهمت في نشر الحق الفلسطيني وخلق التضامن واستمالة الرأي العام. لكن، في النهاية، الأثر على الأرض، القاتل واضح والضحية واضحة. وبث صور لتظاهرة أو تسجيلات من داخل المنزل يختلف عن بث صور لصواريخ موقعة بأسماء آل حديد موجهة نحو قطاع غزّة. وهذا بالضبط ما يجب أخذه بعين الاعتبار.

هكذا، فإن حق التواصل وحرية التعبير لا يحده سوى القدرة على تنفيذ التهديد. أن يقول كاتب هذا المقال إنه يريد تدمير القمر بصاروخ نووي أمر مضحك وساخر، ولا معنى له. في حين عندما يحرض وزير دفاع دولة يمتلك سلطة إطلاق الأوامر بالقتل، وهناك من ينفذ هذه الأوامر، فهذه ليست نكتة أبداً، بل جريمة يعاقب عليها أي قانون محليّ أو دوليّ. وهنا يأتي دور وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتها على تضخيم الرسالة وتعميق أثرها.
جلس زوكربيرغ أمام الكونغرس عدة مرات ليدافع عن نفسه، فهل يمكن أن نراه، أو نرى ماسك في لاهاي، مدافعاً عن حرية التعبير أمام جريمة التحريض على الإبادة الجماعية؟

المساهمون