مواقع التواصل تهدّد وظائف الآلاف

21 مارس 2023
ينصح الخبراء بالابتعاد عن المنشورات الاستفزازية (Getty)
+ الخط -

رغم أن الجدل قد خفت حول إبعاد لاعب كرة القدم السابق والمذيع الرياضي غاري لينيكر عن شاشة "بي بي سي" ثم إعادته، على خلفية تغريدة انتقد فيها حكومة ريشي سوناك وسياسة التعامل مع المهاجرين، فإن نقاشاً آخر عاد إلى الواجهة يتعلق بتأثير ما يكتبه المستخدمون في حساباتهم، على وظائفهم وعملهم.
لينيكر لم يكن أوّل شخص يتمّ إبعاده أو فصله (وإن مؤقتاً) من وظيفته بسبب منشوراته، بل يتعرّض آلاف الأشخاص لعقوبات شبيهة تدمّر حياتهم المهنية. ففي عصر تمثّل وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً كبيراً من حياة الأفراد، بات النمط الخفي لمراقبة منشوراتهم والتعرّف على توجّهاتهم السياسية والدينية والاجتماعية، ركيزة أساسية في عمليات التوظيف والطرد. فعام 2021 بلغ عدد مستخدمي مواقع التواصل 4.26 مليارات شخص، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى ما يقرب من ستة مليارات في عام 2027.
أمّا المملكة المتحدة، فكانت اعتباراً من يناير/كانون الثاني 2023، موطنًا لـ 57.1 مليون مستخدم نشط لوسائل التواصل الاجتماعي، وذلك وفق بيانات "ستاتيستا" (بوابة إلكترونية توفر بيانات عن الاقتصاد الرقمي العالمي والقطاعات الصناعية والأسواق الاستهلاكية والرأي العام ووسائل الإعلام واتجاهات الاقتصاد الكلي).
ورغم أنّ هناك اعتقادا شائعا بين الأفراد أن حياتهم الافتراضية وتلك العملية منفصلتان تمامًا، فإنّ الواقع يقول غير ذلك، حيث يواجه كثيرون التأديب أو الفصل في حال سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وتحذّر العديد من مواقع مكاتب محاماة بريطانية من سوء استخدام الفضاء الافتراضي لأن ذلك قد يؤدي إلى الطرد. ويشمل ذلك، نشر تعليقات سلبية حول الوظيفة أو العملاء أو صاحب العمل أو مشاركة معلومات الشركة الخاصة أو التعبير عن آراء شخصية تشوّه صورة صاحب العمل.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إنّ القانون في المملكة المتحدة يأخذ على محمل الجدّ، سوء السلوك على وسائل التواصل الاجتماعي، ويتعامل معه تماماً مثل سوء السلوك اللفظي في مكان العمل. ويتم بالفعل أحياناً فصل الموظف في بعض الدول، بسبب تعليقات لا علاقة لها بالعمل، لكنّها تعدّ مسيئة للغاية، مثل التعليقات العنصرية، أو العنيفة أو الجنسية...
قد تكون حادثة لينيكر خير مثال على ذلك، فرغم تراجع "بي بي سي" عن قرارها وتأكيدها على عودته إلى ممارسة وظيفته، أثيرت تساؤلات حول قواعد الحياد التي تتبعها الهيئة وسياستها على وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك، أعلنت الشبكة عن إطلاقها مراجعة داخلية مستقلة حول تعليمات وسائل التواصل الخاصة بها، خصوصاً في ظل الإجماع على أنّ المبادئ التوجيهية الحالية، تتضمّن "مناطق رمادية" غير واضحة.
على الصعيد العالمي، يتزايد اهتمام الشركات في دول مثل أستراليا وإسبانيا والمملكة المتحدة بسياسات وسائل التواصل الاجتماعي، من حيث حماية سمعة الشركة ومصالحها، بينما لا تزال سياسات وسائل التواصل الاجتماعي غير شائعة نسبيًا في العديد من البلدان بما في ذلك فرنسا وألمانيا واليابان والسويد. 
وبحسب ما أورد موقع التوظيف Career Builder، ينصح الخبراء الموظفين الذين يكرهون وظائفهم بعدم النشر عن ذلك، كما يلفتون إلى ضرورة الابتعاد عن المنشورات العنصرية والبيانات المضلّلة أو الكاذبة أو الآراء المسيئة المرتبطة بأحداث موضوعية أو معلومات سرية. ويلفتون إلى أنّ 70 في المائة على الأقل من أصحاب العمل يدقّقون في حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للتعرّف على المرشحين للوظيفة قبل التوظيف.

إلى ذلك تشير دراسة نشرها موقع The Conversation إلى أنّ العنصرية كانت السبب الأكثر شيوعًا لفصل الموظفين، حيث كانت 28 في المائة من قصص الفصل الوظيفي مرتبطة تحديدًا بالعنصرية. كذلك، كان للأوجه الأخرى للسلوك التمييزي دور في بعض الأحيان في خسارة الموظّف لعمله بما في ذلك: كراهية النساء (7٪)، والصراع في مكان العمل (17٪)، والمحتوى المسيء مثل "النكات السيئة" (16٪)، وأعمال العنف وسوء المعاملة (8٪)، والمحتوى السياسي (5٪).
ووجدت الدراسة أنّ مئات الأخبار التي تناولها الإعلام حول قصص الفصل من الوظيفة بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، تركّز على حالات أشخاص طُردوا من وظائف يتعاملون من خلالها مع الجمهور بمستويات عالية من المسؤولية والتدقيق، شملت الشرطة والموظفين القانونيين بنسبة 20٪، والمعلمين 8٪، والإعلاميين 8٪، والمهنيين الطبيين 7٪، والموظفين الحكوميين 3٪ وكذلك العاملين في أدوار خدمية مثل الضيافة والتجزئة (13٪).
ويُظهر ذلك أنّ الضجة التي أحدثتها تغريدة لينيكر، قد يكون سببها الرئيسي نجوميته كإعلامي في البلاد وقدرته على التأثير والوصول إلى أعداد كبيرة من الناس. 
من جهتها تبيّن محاكم التوظيف في عدد من الحالات، أن فصل الموظف يكون عادلاً ومعقولاً في حال توفّر سياسة واضحة تحدّد أنواع الإساءة على وسائل التواصل الاجتماعي. ينطبق ذلك على ما كتبت عنه وسائل الإعلام منذ فترة في المملكة المتحدة، حيث أيّدت محكمة الاستئناف في البلاد قراراً بفصل موظف، أدلى بتصريحات مسيئة على حسابه الشخصي على تويتر حول قطاع عريض من الأشخاص يشمل سائقي الشاحنات والقوافل والشرطة...

المساهمون