كل ما لا يتعلق بمباريات كأس العالم، يكاد أن يكون أمراً خارج خريطة الاهتمام لدى الأردنيين، منذ بدء مونديال قطر، فإذا أردت أن تناقش مباراة الأمس، أو تقدم تحليلاً أو توقعاً لمصير مباريات اليوم، أهلاً وسهلاً بك، أما إذا فكرت أن تغرد خارج هذا السرب، فـ"خليها لبعد المونديال".
تحمل أجندة الأردنيين، منذ اليوم الأول من عمر المونديال، مواعيد بعنوان واحد، هو مواعيد المباريات، الأمر الذي جعل كل المخططات، سواء اجتماعات عمل، أو لقاءات أصدقاء، وحتى حفلات مثل الخطوبة والأعراس، تؤجل إلى ما بعد انتهاء مباريات كأس العالم. حتى أن المونديال سيتقاطع مع مناسبة عيد الميلاد المجيد. وحتى هذا الأخير طاوله تأجيل، إذ أخّر كثيرون موعد الحصول على شجرة عيد الميلاد، على عكس تحمسهم المبكر لهذا الطقس، في مثل هذا الوقت من كل عام، وهو ما لاحظه تجار وأصحاب محلات يبيعون زينة عيد الميلاد، مع تخمينهم في الوقت نفسه أنه سيكون هناك تزاحم قبل يومين أو ثلاثة من العيد.
متعارفة عند الأردنيين، والعرب بشكل عام، العبارة الشهيرة "خليها لبعد العيد"، لكنّ لكأس العالم نصيباً مهماً في تأجيل المواعيد أيضاً، لذلك تدرج كل أربعة أعوام عبارة "خليها لبعد المونديال". واللافت أنه بات من يفكر في أن يعد مخططاً ليست له علاقة بالمباريات يبدو كأنه شخص يعيش في كوكب آخر، ولا يعلم أن هناك ما هو أهم من كل شيء، حتى الأمور التي تمس حياة الأردنيين مباشرة. على سبيل المثال، مر قرار الحكومة الأردنية منذ أيام قليلة برفع أسعار البنزين والمحروقات مرور الكرام، على عكس ما يحدث عند خروج قرارات كهذه في أوقات أخرى؛ إذ تلقى تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. كذلك، انتشر فيديو لشرطية تقنع شاب بأن يعدل عن قراره بالانتحار خلال وقوفه فوق جسر. هذا الفيديو جاء في المراتب التي تلت وسم #كأس_العالم على منصات التواصل، ناهيك بجلسة مجلس النواب الأردني الأخيرة التي وصفها صحافيون حضروها بـ"النارية".
في هذا السياق، يُشار إلى أن مؤتمرات صحافية مهمة عدة جرت خلال الفترة القليلة الماضية، وحرص منظموها على إنهاء فعاليات المؤتمر قبل الساعة السادسة بتوقيت الأردن، أي توقيت أولى المباريات، حتى يلحق المشاهدون حضورها، مثل مؤتمر أريج للصحافة الاستقصائية، الذي ضم أكثر من 500 صحافي وصحافية من مختلف الدول العربية، واستمر لمدة يومين. في نهاية اليوم الأول من عمر المؤتمر، دعا المنظمون المشاركين إلى العشاء، وشملت الدعوة حضور مباراة البرازيل والكاميرون.
للسياحة في الأردن نصيب من هذا التأجيل أيضاً. عادة، في نهاية كل أسبوع، تشهد مناطق مثل البحر الميت ووادي رم ومدينة البتراء حضور زوّار وسياح كثيرين. لكن أغلب الأشخاص أجّلوا ذلك لما بعد المونديال، وتكاد المواقع السياحية الأردنية تكون خالية إلى حد يشبه فترة حظر التجول التي شهدها الأردن خلال جائحة كورونا.
فمن المستحيل، على سبيل المثال، أن يستغني مشجعو منتخب الأرجنتين من الأردنيين عن مشاهدة مباراة الأرجنتين مع هولندا التي أقيمت الجمعة الماضي. "بشوفك بعد المباراة" أو "بشوفك قبل المباراة"، هي أيضاً عبارات دارجة هذه الفترة في الأردن. تستخدم في حالات الضرورة فقط، وتخص المواعيد الاضطرارية التي لا تحتمل التأجيل إلى ما بعد انتهاء كأس العالم. تسمعها كثيراً في اتصالات أخذ مواعيد مع أطباء الأسنان مثلاً، أو ترتيب مواعيد لقاء مغتربين وصلوا لزيارة لبلدهم، وحتى مواعيد صالونات التجميل وصالونات الحلاقة. وكثيراً ما تسمعها في طلبات الوجبات السريعة التي يحرص طالبوها وسائقو المطاعم أن ينجزوها قبل موعد المباراة أو بعد انتهائها.
مرّ أكثر من أسبوعين على بدء فعاليات مونديال قطر 2022، وما زال هو العامل المشترك الذي يوحد اهتمام الأردنيين، وجداول مواعيدهم، ولأن الحالة الآن أصبحت أكثر "سخونة"، بسبب وداع منتخبات وتأهل منتخبات، فلا شك أنه لا صوت سيعلو على صوت معلقي مباريات المنتخبات الأكثر قرباً لقلوب الأردنيين، وبالتأكيد كل شيء يحتمل التأجيل لما بعد انتهاء المونديال.