مهرجان "كانّ" الـ76: أهناك اكتراثٌ بالنقّاد أم لا؟

17 مايو 2023
مهرجان "كانّ": ارتباكات مستمرّة في نظام الحجز المسبق (لي يانغ/Getty)
+ الخط -

 

كالعادة المستحدثة قبل 3 أعوام، بذريعة كورونا والاشتراطات الصحية والمتطلّبات المتّخذة آنذاك، لا تزال إدارة مهرجان "كانّ" السينمائي ترى أنّ نظام الحجز الإلكتروني للبطاقات أفضل وأسلم وأنجع لدخول صالات العرض، من دون إبداء أسباب واضحة ومباشرة ومقنعة عن حتمية التمسّك بهذا النظام العقيم، لا سيما أنْ ليس هناك التزام بالجلوس في المقاعد المحجوزة، لانتفاء الأرقام على البطاقات. من ناحية أخرى، لم يقضِ النظام الجديد على صفوف الانتظار المعهودة قبل العروض، ولا مُنع التكدّس أمام الصالات، التي يُفترض في الدخول إليها أنْ يكون سهلاً للغاية بسبب هذا النظام، حتى قبل 10 دقائق من بداية العروض. هذا لم يحدث في الدورة الماضية.

ما يزيد من فداحة نظام حجز البطاقات في "كانّ"، الاضطرار إلى الاستيقاظ باكراً صباح كلّ يوم، حتى قبل بدء المهرجان بأيام، لحجز التذاكر المطلوبة على الموقع المخصص بها، الذي فيه مشكلات، تتمثّل في تعطّله، أو صعوبة (وأحياناً استحالة) الدخول إليه، بسبب الضغط الشديد. مثلاً، حدث هذا قبل 3 أيام من بداية الدورة الـ76 (16 ـ 27 مايو/أيار 2023) لـ10 دقائق، قبل أنْ يعمل الموقع مجدّداً. أو فور دخول الموقع، 7 صباحاً، تكون البطاقات كلّها محجوزة. هذا لم يحدث من قبل.

أثار الأمر غضب نقاد وصحافيين عديدين، واستهجانهم واندهاشهم. إذْ كيف يحدث أنْ تُحجز بطاقات يتجاوز عددها عدد المقاعد (3000) في أقلّ من دقيقة؟ صباح 15 مايو/أيار الجاري، بعد الساعة 7 بدقيقة واحدة، لم تكن مشاهدة "عن العشب الجاف"، للتركي نوري بيلغي جيلان، مُتاحة في أي قاعة. غيره الكثير أيضاً، والأمر لا علاقة له بتراتبية أنواع البطاقات الصحافية.

ما يزيد من صعوبة الأمور أكثر، أنّ غالبية عروض الصحافة، خاصة المسابقة الرئيسية، تبدأ الساعة 10 أو 10.30 مساء. "بنات ألفة" للتونسية كوثر بن هنية يبدأ عرضه 11.15 مساء، وينتهي 1 صباحاً. باتت تلك العروض لا تفرق كثيراً عن عروض قسم "منتصف الليل". ما يعني العودة إلى السكن بعد الواحدة ليلاً، إنْ يكن المرء محظوظاً بالإقامة إلى جوار "قصر المهرجانات والمؤتمرات"، أو انتظار الباص الليلي، وموعده كلّ ساعة، لو كان السكن بعيداً عنه، ما يعني العودة في الثانية صباحاً. مع هذا، ضروري الاستيقاظ 7 صباح اليوم التالي لتأمين بطاقات اليوم اللاحق عليه، وإلاّ يفقد الناقد/الصحافي الأفلام التي يريد مشاهدتها، ويتعيّن عليه اختيار قاعات أخرى، أو مواعيد أخرى، فتتداخل الأمور ببعضها، وترتبك برمجة الاختيارات والمشاهدة في الأيام التالية.

مشكلات كهذه ليس مردّها نظام حجز البطاقات فقط، إذْ زادتها فداحة الرغبة الشرهة لدى القائمين على المهرجان، وأوّلهم تييري فريمو، المدير الفني، والطموح في اجتذاب كلّ الأفلام المتوفرة. هذا طموح مشروع، وفي صالحه وصالح المهرجان. لهذا، ابتُكر أكثر من قسم، لا تُعرف ماهيته والغرض منه، وما يفرقه عن غيره، بخلاف أنّه لعرض أكثر عدد ممكن من الأفلام، وإرضاء جميع الموزعين والشركات. هذا يُمكن تفهّمه وقبوله، في ضوء هوس الأوروبيين بالتطوير والتجديد والتحديث، لأسباب أقلّها فني، وأغلبها مادي وتجاري وترويجي. لكنْ، يتساءل نقّاد وصحافيون: ما الحاجة إلى اجتذاب كلّ هذه الأفلام الرائعة، إنْ كان سينتهي الأمر بهم إلى عدم مشاهدتها، أو التضحية ببعضها في مقابل مشاهدة أخرى؟

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

بالنسبة إلى نظام حجز البطاقات أيضاً، غير مفهومة جدولة المهرجان لعروض أفلامٍ شاركت في مهرجانات سينمائية سابقة، هذا العام أو العام الماضي. أفلام ليست من دورات ماضية في مهرجان "كانّ" نفسه. مثلا، "على متن أدامان" لنيكولا فليبير، الفائز بـ"الدب الذهبي" في الدورة الـ73 (16 ـ 26 فبراير/شباط 2023) لـ"مهرجان برلين السينمائي"؛ أو "نزوح" لسؤدد كعدان، المعروض في قسم "امتداد آفاق"، في الدورة الـ79 (31 أغسطس/آب ـ 10 سبتمبر/أيلول 2022) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي"، ضمن تظاهرة بعنوان "كانّ سينما"، مع 14 فيلماً.

ليس هناك مانع من عرض مختلف الأفلام على الجمهور الـ"كانيّ"، المعروضة في كلّ المهرجانات. لكنْ، لماذا وقت انعقاد المهرجان، وفي ذروة العروض، وفي ظلّ زيادة البرنامج الرئيسي، وغيره من الأقسام المُكدّسة أصلاً؟ الأهم: لماذا توضع هذه الأفلام في قوائم العروض الصحافية وحجز بطاقات الصحافيين؟ هل سيترك النقّاد والصحافيون أحدث الأفلام، القادمين من أجلها، من أجل أفلامٍ قديمة شاهدوها سابقاً؟ إذا لم يكونوا هم المعنيين بالأمر، لماذا وضعت هذه الأفلام على موقع حجز بطاقاتهم؟ هذا يُنتج ضغطاً أكبر على الموقع، من الراغبين في حجز بطاقات هذه الأفلام، من الجمهور.

هل ستضطر إدارة المهرجان، لاحقاً، منح النقاد والصحافيين رابطاً خاصاً بهم لحجز بطاقاتهم، بهدف تلافي الأمر، كما حصل العام الماضي، بعد تذمّر هؤلاء وانتقاداتهم بسبب استحالة الحجز، وبعد أنْ باتت الردود إلكترونية ومنسوخة من المركز الصحافي: "عليكم تكرار محاولات الدخول إلى الموقع حتّى ساعة قبل موعد عرض الفيلم". رسالة استلمها كثيرون ممن راسلوا المركز. المُثير للحنق والغرابة، أكثر من أي شيء، أنّه في عروض الأفلام العام الماضي، كانت هناك دائماً مقاعد شاغرة.

هذا كلّه يُثير تساؤلات كثيرة: كيف لم تستطع إدارة المهرجان، رغم مرور عام كامل على الدورة السابقة، حَلّ مشكلة حجز البطاقات هذه، بعد أنْ فاجأتها كثافة الحضور بعد انحسار كورونا؟ "مهرجان برلين السينمائي" اعتمد النظام نفسه في دورة هذا العام، للمرة الأولى. مع هذا، لم تحدث مشكلات متعلّقة بالموقع، ولا تذمّر النقاد والصحافيون إزاء آلية الحجز. الأمر نفسه أيضاً ينسحب على آلية حجز البطاقات في "مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي"، المُطبّق منذ 3 أعوام.

هذا يحيل إلى سؤال يفترض بإدارة المهرجان الإجابة عليه بصراحة وشفافية: هل هناك من يفكّر بينهم، جدّياً، في النقاد والصحافيين، ويكترث بشكاويهم، أو بطبيعة عملهم، وكيفية تأدية تغطياتهم في ظلّ هذا التكدّس الرهيب للأفلام المعروضة، واستحالة المتابعة، لتداخل المواعيد ببعضها، ولكثرة الأفلام، وازدحام الوقت بمقابلات صحافية، ودروس/ محاضرات/ مؤتمرات، إضافة إلى مشاكل حجز البطاقات؟ أسئلة كهذه يطرحها النقاد والصحافيون منذ أعوام قليلة، لكنْ لا إجابات عليها، لأن إدارة المهرجان التزمت الصمت. ما يؤكّد أنها غير آبهة بهم وبمطالبهم. أي أنهم ليسوا على لائحة أولوياتهم، وإنْ لم يصدر تصريح رسمي بهذا، لكنْ، في الواقع، الدلالات واضحة.

المساهمون