تحتفل قطر سنوياً بالتراث البحري الخليجي، عبر تنظيم "مهرجان كتارا للمحامل التقليدية"، وقد أقيمت دورته العاشرة بين الثلاثاء الماضي واليوم السبت، وشملت فعاليات سلطت الضوء على علاقة الأجداد القديمة والمتينة بالبحر.
كما عرضت ضمن المهرجان المقتنيات التراثية البحرية لقطر والدول المشاركة، وهي الكويت وسلطنة عُمان والعراق والهند وتنزانيا، إلى جانب الحرف اليدوية التقليدية، وورش صناعة السفن والمشغولات البحرية القديمة، ولوحات تشكيلية عن المحامل التقليدية.
والمحامل التقليدية هي السفن الخشبية التي كان يستخدمها أهل قطر والخليج قديماً في رحلات الغوص للبحث عن اللؤلؤ وفي رحلات الصيد البحري، ومن أبرز أنواعها سفينة "بوم"، ومساحتها 108 أقدام وتستوعب 120 طناً، وهو المحمل نفسه الذي استُعمل في رحلة "فتح الخير" حول عدد من المدن البحرية، حاملاً رسالة محبة وسلام لعشاق التراث البحري، إضافة إلى سفينة "البتيل" التي تصل حمولتها إلى ما بين 20 و50 طناً، وتُستَخدم في الغوص، وتشبه سفن الفينيقيين، وسفينة "البقّارة" التي سُمّيت نسبة إلى شكل مقدمتها التي تشبه رأس البقرة، أما "جالبوت" فهي من أنواع السفن الشراعية المفضّلة خليجياً.
وحول إقامة المهرجان في ظل جائحة "كوفيد-19"، قال المدير العام لـ"المؤسسة العامة للحي الثقافي" (كتارا) خالد السليطي، في تصريح صحافي، إن المؤسسة حرصت على تنظيم المهرجان، وإن بمشاركة محدودة، بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة والجهات المعنية لأنه يعتبر ملتقى ثقافياً وتراثياً دولياً يستعيد التراث البحري بكل أصالته وفنونه وتقاليده.
وأضاف السليطي أن أكثر من 20 سفيراً في قطر، ممن حضروا انطلاق المهرجان، عبروا عن رغبة بلدانهم في المشاركة في الدورة المقبلة.
واعتبر وزير الدولة ورئيس "مكتبة قطر الوطنية"، حمد بن عبد العزيز الكواري، المهرجان جزءاً حيوياً في حياة دولة قطر الثقافية والخليج العربي ومساهمة مهمة في التراث العالمي، مشيداً باستمرار المهرجان من دون انقطاع للسنة العاشرة، وفق ما نقلت عنه "وكالة الأنباء القطرية" (قنا).
وأشار عضو اللجنة المنظمة للمهرجان جهاد الجيدة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن الهدف من المهرجان ربط الجيل الجديد بتراث الأجداد، وتوصيل رسالة إلى الشباب عن معاناة الآباء من شظف العيش عن طريق الغوص في البحر التي تستغرق أربعة أشهر.
وأفاد بأنه خلال الدورات السابقة نُظمت مسابقات للشباب يذهبون خلالها في رحلة غوص مدتها أربعة أيام، ويرجعون متعبين، فكيف حال من يقضي أربعة أشهر؟ كما يهدف المهرجان، وفقاً للجيدة، إلى تعريف الجيل الجديد بالحرف والمهن البحرية المتعلقة بالغوص، مثل صانع السفن، والحداد الذي ينجز المسامير والإطارات على السفن الخشبية، والسعف والخوص والسلال وغيرها، من قبل حرفيين قطريين وخليجيين يشاركون في المهرجان.
وأوضح الجيدة أن المسابقة الرئيسية للمهرجان تشمل "حداق السيف"، و"التجديف" الفردية أو الزوجية، و"التفريس" وهي عبارة عن استخدام عصا "البامبو" في سرعة وإدارة القارب، لافتاً إلى إلغاء مسابقات الغوص والسنيار والتجديف الجماعي، بسبب ظروف جائحة كورونا.
وقال الحرفي مبارك الخشتي من الكويت، لـ"العربي الجديد"، إنه يشارك في المهرجان للسنة الثالثة، أما بلاده فتشارك في المهرجان منذ انطلاقته ولم تنقطع عن دورات المهرجان العشر، موضحاً أنه يشارك في صناعة "شنطة السفر" للبحارة والغواصين عبر المحامل الخشبية، وهي صندوق خشبي يصنع بمهارة يدوية ويربط بالحبال.
وتعرض في الجناح الكويتي مقتنيات تراثية ومهارة صناعة السفن والخوص والسفرة والحصير، ومعروضات تراثية بشكل عصري مثل المباخر.
وقالت المقيمة الفيليبينية جوليا، لـ"العربي الجديد"، إنها تحضر المهرجان لأول مرة، وأضافت أنه "من الجيد أنه بعد كل السلبية التي عشناها جراء جائحة كورونا نجد أنفسنا نستمتع بمهرجان جميل مع جو لطيف وبشعور جيد ومشاهدة أشياء تقليدية مثيرة للاهتمام".
ولفتت صديقتها المقيمة الصينية لي لي: "شاهدت فعاليات عد ة لا أراها عادة في الحياة اليومية، فأنا لا أعرف الكثير عن تراث هذا البلد"، وأضافت "قبل قليل علمني شخص لعبة (الدامة) الشعبية، وكانت تجربة ممتعة". وتمنت لي لي إقامة المزيد من هذه المهرجانات، لأننا "نحتاج إلى معرفة المزيد عن حضارة قطر التي أعيش فيها، وليس فقط الاستمتاع بالأماكن الفخمة".