مهرجان السينما المتنقلة: أفلام تشق الطريق في فلسطين

21 أكتوبر 2021
من فيلم "200 متر" (Imdb)
+ الخط -

لا علب بوشار ولا أضواء مطفأة قبيل بدء العروض السينمائية قد ينعم بأجوائها أهالي المناطق المهمشة والمهددة بالترحيل والمحاصرة على يد الاحتلال الإسرائيلي، في الضفة الغربية وقطاع غزة. لذا، قرر القائمون على مهرجان السينما المتنقلة في فلسطين، والمتواصل للسنة الرابعة على التوالي، حمل شاشة السينما الخاصة بأفلامهم، والتنقل بها من أرض إلى أُخرى؛ فجميع هذه الأراضي تفقر لدور السينما.
بدأ العرض الأول لمهرجان السينما المتنقلة لهذا العام في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، ويستمر حتى السادس والعشرين منه. في حديث إلى "العربي الجديد"، تقول رئيسة المهرجان، المنتجة والمخرجة الفلسطينية مي عودة: "عندما أسست مهرجان السينما المتنقلة، استشعرت بداية مسألة اختبار بعض الأفلام لبعض المناطق، التي تنسجم مع طبيعتها الاجتماعية، كي لا يشعر الناس أنها غريبة عنهم. فكرت أن تكون تلك الأفلام قريبة للناس، لكن بجودة صناعة سينمائية عالية، وهذا العام اخترنا في المهرجان التركيز على الأفلام الفلسطينية".
يمنح مهرجان السينما المتنقلة المشاهدين، وهم أهالي القرى والمناطق المهددة بالاستيطان، فرصة مشاهدة السينما لأول مرة، ما يقرن تجربة معرفة السينما لدى الأهالي، بتجربة المرة الأولى للسينما في مناطقهم، ويسقط معيار حصر السينما بكرسي مرتب في صالة أنيقة يدخلها الناس عبر شباك التذاكر.
تقول عودة: "واجبنا في صناعة السينما خلق جمهور خارج مراكز المدن، وهم غالباً الجمهور الحقيقي الذي يمسه العرض السينمائي عبر مهرجان السينما المتنقلة، فالسينما حالة وفرناها عبر الشاشة والمكان وجمهور دافئ، وهذا يضيف أيضاً لكل فيلم نعرضه شيئاً ما".
في مساء الثاني عشر من الشهر الحالي، قرر القائمون على مهرجان السينما المتنقلة أن يعيش فيلم "200 متر"، الذي حصد حتى اللحظة 26 جائزة عربية ودولية، دور البطل في المكان الذي حكى قصته للعالم، وهي مدينة طولكرم.
عندما بدأ فنيو المهرجان تثبيت الشاشة على حائط دار قنديل للثقافة والفنون وسط مدينة طولكرم، المحرومة من الإغناء الثقافي والفني، بدأت سماء المدينة ببادرة مطر، لتخرج منتجة فيلم "200 متر" مي عودة للجمهور الجالس على كراس بلاستيكية في حديقة ترابية لدار قنديل مبتسمة بالقول: "هينا جبنالكم الخير يا أهل طولكرم". لكن عودة جاءت لهم بالفيلم أيضاً، لتضع يدها على قلبها، وتقف جانباً هي ومخرج الفيلم وابن مدينة طولكرم أمين نايفة، مترقبين ردة فعل الناس حول حياتهم اليومية بسبب الجدار، لكن هذه المرة على جدار السينما المتنقلة.

توقف المطر وبدأ العرض بصورة بطل الفيلم الفنان علي سليمان ينفث سيجارته ويشتكي من ألم أسفل ظهره، وينظر لبيت زوجته وأطفاله مقابل بيته، هو على حدود مدينة طولكرم، وهم على حدود بلدة الخضيرة في الداخل المحتل، يفصل بينهما جدار الفصل العنصري الذي بناه الاحتلال وفرق مئات العائلات الفلسطينية.
تعطي فكرة تنقل السينما للجمهور حرية التصرف أثناء المشاهدة، فيرخي مشاهد ساقيه، فيما ينفث آخر سيجارته في الهواء الطلق، وتتبادل النساء الحديث حول تفاصيل الفيلم.
يقول مدير دار قنديل للثقافة والفنون في طولكرم الفنان علاء أبو صاع، لـ"العربي الجديد: "من الصعب أن يذهب الناس إلى عروض سينمائية منظمة بشكل تقليدي كما قبل، وحتى أننا في فلسطين لم تعد لدينا دور عرض سينما، ومن الجميل أن فكرة السينما المتنقلة تنسجم مع المكان؛ ثمة حديقة وبيت قديم، إذ تجلس السينما في المكان ولا تطغى عليه، بل على العكس ستكون جزءاً منه".
لكن، هل ستفلت بعض التفاصيل من عين المشاهد بفعل المكان المفتوح للعرض في السينما المتنقلة؟ يكمل أبو صاع أن ذلك يعود للمخرج وكاتب العمل، وإلى درجة ذكائه في ربط المشاهد.
يقول أبو صاع لـ"العربي الجديد"، إن المدخل لأي فيلم هو درجة جودة العمل نفسه، واكتمال عناصره السينمائية، كما أن جدة بعض التفاصيل لبعض المناطق، وإن تشابه الاحتلال، واختلاف طبيعة أو شكل معاناة الناس معه من منطقة لأُخرى، تلعب دورها في لفت نظر المشاهد أو توقفه عندها. ففي منطقة فروش بيت دجن، في الأغوار الشمالية، لا يعرف الأطفال تفاصيل "المعبر"، لكن استرعت انتباههم محاولة علي سليمان مع باقي الممثلين القفز عن الجدار، كما انشغلوا بتفاصيل بعض المشاهد التي يتحاور خلالها الممثلون باللغتين الإنكليزية والعبرية".
وهذا ما حصل مع صبايا طولكرم اللواتي شاهدن فيلم "200 متر" عبر السينما المتنقلة، حيث تقول نيرمين زين، التي تعيش مع عائلتها في المكان نفسه، لـ"العربي الجديد": "سأفكر لو كنت أكره المسافات الطويلة خلال المواصلات، لو وضعت نفسي مكان الفلسطيني الذي سيقطع مسافة طويلة للقفز عن الجدار عبر التهريب، للوصول لعائلته خلف الجدار، أو سيقضي نصف يومه على الحواجز".
وعلى سيرة الأغوار التي تُعد إحدى المناطق الأكثر حساسية بسبب المماحكة والمواجهة مع الاحتلال، ما يخلق أجواءً نفسية صعبة في حياة الأهالي، لقد خلقت السينما المتنقلة هامشاً للتعبير أمام أهالي هذه المناطق، وفرصة لتعزيز الصحة النفسية.

سينما ودراما
التحديثات الحية

يقول منسق المهرجان في الأغوار والناشط فيها حمزة زبيدات، لـ"العربي الجديد: "لقد لمسنا خلال العروض الأولى للمهرجان هذا العام، أن المشاهدين انتقلوا من مرحلة المشاهدة فقط، إلى مرحلة استدعاء ما بدواخلهم من أفكار وقصص من معاناتهم اليومية بسبب الاحتلال، وتحويلها إلى فيلم سينمائي، وكأن ابن تلك المناطق يخبرنا بأنه لا يشاهد فقط بل يتفاعل وقد يقدم مقترحاً، إذ لديه قصة يرغب في إسماعها للعالم".

المساهمون