"مهرجان الإسماعيلية الدولي الـ25": تحية لغزّة لكنّ الترهّل كبير

06 مارس 2024
مهدي فليفل: تكريمٌ لفلسطيني في دورة ـ تحية لغزّة (مات كارّ/Getty)
+ الخط -

افتُتح، مساء 28 فبراير/شباط 2024، "مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة"، في محافظة الإسماعيلية (شرقي مصر)، على بُعد 100 كيلومتر تقريباً من القاهرة. يحتفل المهرجان بمرور 30 عاماً على انطلاقه، عام 1991، لكنّ دورته هذه تحمل الرقم 25. إنّه أوّل مهرجان متخصّص بالأفلام الوثائقية والقصيرة في العالم العربي، ومفتوحة دوراته كلّياً أمام الجمهور، كما أمام النقّاد والصحافيين والإعلاميين، من دون بطاقات اعتماد، أو حجز مسبق للتذاكر.

عرض، في الدورة الجديدة هذه، التي اختُتمت أمس الثلاثاء (5 مارس/آذار الجاري)، 121 فيلماً من 62 دولة، في مسابقات وأقسامٍ مختلفة. في المسابقات الأساسية، هناك 12 فيلماً وثائقياً طويلاً، و20 وثائقياً قصيراً، و20 روائياً قصيراً. في التحريك، هناك 18 فيلماً. أما في "أفلام الطلبة"، فشارك 17 فيلماً.

بمناسبة الاحتفال باليوبيل الفضي، نظّمت الإدارة الفنية، برئاسة الناقد السينمائي عصام زكريا، نشاطات عدّة، بدأت بوثائقي قصير في حفلة الافتتاح، استعرض أبرز المراحل والتطوّرات التي شهدها المهرجان في دوراته السابقة. في "البرنامج الفضّي"، هناك 20 فيلماً، طويلاً وقصيراً، عرضت في تلك الدورات، منها "درب السمّوني" لستيفانو سافونا، و"فعل القتل" لجوشوا أوبنهايمر، و"16" لسامح علاء، و"موج 98" لإيلي داغر.

 

فلسطين حاضرة

كما كرّم المنظّمون عاملين وعاملات في السينما الوثائقية: الممثلة سلوى محمد علي (لها 100 فيلم قصير، إلى عددٍ من الأفلام الطويلة)، وصدر كتاب عنها؛ والمخرج الأميركي ستيف جيمس، الذي عُرضت 3 أفلام له، كما قَدّم "ماستركلاس"، وصدر عنه "ستيف جيمس: سينما النضال الاجتماعي"، تحرير أروى تاج الدين. هناك أيضاً تكريمٌ لاسمي المُخرجَين الراحلين سميحة الغنيمي، ورائد السينما التسجيلية عبد القادر التلمساني، بعرض 3 من أفلامه، مع إصدار كتاب عنه بعنوان "عبد القادر التلمساني: في محبة الفن والحياة"، لابنته مي التلمساني.

وكان يُفترض بالمهرجان أنْ يُكرِّم، في حفلة الختام، المخرج الفلسطيني مهدي فليفل، بعرض 3 أفلام له، وكتاب "مهدي فليفل... سينما المنفى" لأسامة عبد الفتاح. لكنّ فليفل لم يتمكّن من المشاركة في هذه الدورة، لانشغاله بإنجاز مونتاج أول فيلم روائي له.

لهذه الدورة رسالة تضامنية مع قطاع غزّة، ومع تأكيدٍ على دعم المقاومة، ونصرة الشعب الفلسطيني وحريته وسيادته. في هذا الإطار، عُرضت أفلام فلسطينية، طويلة وقصيرة، أبرزها "الحياة الحلوة" لمحمد جبالي، المشارك في مسابقة الوثائقي الطويل. ونُظّمت ندوة بحثية مع المخرجة والباحثة الأميركية تيري غينسبرغ، عن كتابها "تصوير الأزمة الفلسطينية: تحليل نقدي لأفلام التضامن مع فلسطين".

تُقام هذه الدورة في ظروف دولية وإقليمية ومحلية مضطربة وعصيبة، أثّرَ كثيرٌ منها فيها، وأعاق إقامتها على النحو المأمول به، وأطاح بطموح إنجاز "دورة فضية" لا تُنسى. الجيد أنّ تكالب الظروف المعاكسة والعقبات لم يؤدِّ، على أي حال، إلى تعذّر انعقادها، إذْ كانت هناك هواجس بعدم الانعقاد. الظروف الصعبة المحيطة بالدورة، والدافعة إلى التماس أعذار، كانقطاع الكهرباء في عروضٍ مختلفة بسبب تقنين الكهرباء، ليست مُبرِّرة أبداً لأخطاء وزلاّت ومشاكل، فادحة أحياناً، كتب عنها كثيراً زملاء وزميلات في المهنة، لتكرارها وإنْ بوتيرة متفاوتة، في مهرجانات عربية، من دون فرق كبير بين مهرجان قديم أو جديد، تديره مؤسّسة حكومية أو قطاع خاص.

الذكر الدائم للعيوب نفسها، المتكررة في سنوات ـ دورات، في تاريخ هذا المهرجان أو ذاك، يُثير مللاً، وربما يأساً من جدوى النقد والكتابة، ولفت الانتباه أصلاً، طالما أنّه لن يجري تدارك الأمور، أو إصلاح أدنى مشكلة، غير متطلّبة لتدبير وتخطيط، أو لجهود طائلة، أو لتمويل مُبالَغ به، ولا تستلزم احترافاً إدارياً، أو خبرة سينمائية أو مهرجانية، بل مجرّد ترتيب أولويات وتنظيمات واستعدادات، ومواجهة الأمور، والعزم، والرغبة الحقيقية والصادقة والمخلصة في الإصلاح وتدارك الأخطاء والهفوات، والمضي في التطوير والتجديد، لا الاكتفاء بنجاح دورة، يطويها النسيان.

 

 

لذا، لا يُدهش المرء من أمور كثيرة حاصلة في الدورة الـ25 لـ"مهرجان الإسماعيلية الدولي"، لا تدلّ على وجود تجارب وخبرات ونجاحات متراكمة في 24 دورة. أمورٌ كثيرة مُستفزّة، ومشاكل وعراقيل متوافقة وحالة بلدٍ "يعشق" البداية من الصفر في كلّ مرة، ولا يتعلّم من الأخطاء؛ وحالة مجتمع يُعاني ترهّلاً ومشاكل جمّة، نتيجة عوامل عدّة وتراكمت عقوداً، وأفضت إلى تكلّس وجمود وانسداد أفق، وهذا كلّه مُنسحب على شتّى أوجه الحياة.

 

ملاحظات ضرورية

من أبسط الأمور، بل من "ألف باء" أي مهرجان أو نشاط سينمائيِّيَن، توفّر كلّ ما يتعلق بهما، من شأنه مساعدة ـ إفادة النقّاد والصحافيين والجمهور، وتسهيل متابعة العروض، وتخطيط برامج المُشاهدات. لكنّ حادثة في استيراد ورق الطباعة، وارتفاع أسعاره بشكلٍ جنوني، حَالا دون صدور مطبوعات المهرجان، بما فيها لوائح العروض والكتالوغ، وأيضاً الأبحاث والكتب، أو توفّر القليل منها، على الأقلّ، والاكتفاء بإتاحتها كاملة كـ"ملفات نصّية" (PDF). رغم هذا، يجري تداول الملفات بين الحضور، نظراً إلى عدم توفّرها على الموقع الإلكتروني للمهرجان، وهذا بدوره مُزعجٌ، لاستحالة الحصول منه على أي شيء. إلى أمور لوجيستية وفنية يُفترض بها أنْ تُيسّر عمل النقاد والصحافيين والإعلاميين، التي يجب أنْ تكون صميم أي نشاطٍ دولي، وغير ذلك أيضاً، كالإنترنت.

صحيحٌ أنّ أشياء كثيرة خارجة عن إرادة القائمين على المهرجان، كالقوانين والقيود والروتين والبيروقراطية والرقابة، واستحالة تجاوز هذا كلّه، في ظلّ ميزانية هزيلة جداً، تتراوح بين 4 و5 ملايين جنيه مصري كأقصى تقدير، غير كافية أصلاً لشراء سيارة حديثة بالأسعار الحالية في مصر. ميزانية كهذه، مرصودة لمهرجان دولي، تعجز عن تلبية أدنى المُتطلّبات. رغم هذا، يُعتَبر انعقاد الدورة الـ25 أعجوبة، ما يستدعي نقاشات طويلة وموسّعة وجادة حول كيفية إنقاذ وإنهاض كيانات فنية كهذه، راسخة ومهمّة، لكنّها متكلّسة، في ظلّ منافسات إقليمية شرسة. مع ذلك، هناك حلول كثيرة على الإدارة الفنية تداركها بسرعة، مع تضخّم وارتفاع أسعار رهيبين، لن يتوقّفا من دورة إلى أخرى، أيسرها المطالبة بزيادة الدعم، وجلب مزيد من الرعاة.

أيضاً، وأسوة بمهرجانات دولية عالمية، يُمكن الاستغناء كلّياً عن الطباعة الورقية، وتوفير تكاليفها، والاكتفاء بنشرة أو برنامج صغير قابل للطيّ، يتضمّن العروض اليومية ومواعيد الندوات وغيرها. في ضوء الطباعة السيئة ومشاكلها اللانهائية، يبدو ضرورياً، بل الأجدى توجيه الإنفاق إلى الموقع الإلكتروني وتطويره، وطبعاً توفير جميع المواد على الإنترنت، وتمكين المهتمّ من تحميل المطلوب، بسهولة وتنظيم، عوضاً عن ترك الموقع في حالة مخزية. كذلك، يُمكن الاستغناء عن طباعة الأبحاث والتكليف بها، في ظلّ عدم الجدّية، والسرعة، وانتفاء الإتقان، وضعف المستوى، وأساساً عزوف الجمهور عن متابعتها والاستفادة منها. وعند إقامة معرض صُوَر فوتوغرافية عن مخرج معيّن، من دون سياق محدّد، يجب الالتزام بالأبجديات المُتعارف عليها في فنون إعداد المعارض وتجهيزها وتنظيمها.

في "مهرجان الإسماعيلية" مشاكل وهفوات وهنات كثيرة، يُمكن تداركها بسهولة، إذا وُجِد مدير تنفيذي محترف، يضطلع بدوره فعلياً: ضبط مواعيد العروض والندوات والانتقالات وغيرها. وتضافر جهود فريق عمل تنفيذي يخدم متابعة العيوب والنواقص ومعالجتها، كي لا يُهدم الإنجاز الفني في اختيار الأفلام وبرمجتها. هذه أمور تُشكِّل قوام المهرجان في دورة هذا العام، علماً أنّ هناك إهالة تراب على مجهود أفراد، نتيجة أمور كثيرة يُمكن تداركها، لو انعقدت الهمم، وخلصت الجهود والنوايا.

صحيحٌ أنّه يصعب إلزام الجمهور، في مصر والدول العربية، بآداب المُشاهدة وسلوكياتها، المتعارف عليها، واحترام الوجود في القاعات، إذْ هناك سلوكيات ممجوجة ومزعجة تُفسد أبسط متطلّبات المُشاهدة. المثير للغرابة أكثر أنّ هذه السلوكيات صادرة من أناسٍ ينتمون، قلباً وقالباً، إلى صميم صناعة السينما وإقامة المهرجانات. يُفترض بالمنظّمين إلزام الحضور، كما في مهرجانات العالم، باحترام قواعد المشاهدة والهدوء، والتنبيه الشديد إلى عدم التقاط الصُّور، وتسجيل الفيديو في عرض الأفلام، وضرورة إغلاق الهواتف الجوّالة، وعدم التحدث هاتفياً، أو التعليق والسخرية على أفلام وأبطالها، أقلّه عبر عرض رسالة قصيرة تؤكّد على هذا قبل بدء عرض كلّ فيلم.

المساهمون