مهرجانات سينمائية مرتبكة وأخرى معطوبة: ملاحظات نقدية

19 مارس 2023
"كانّ الـ75": شيخوخةٌ تحتاج إلى تجديدٍ (جو ماهر/Getty)
+ الخط -

 

التعليقات النقدية الخاصة بالمهرجانات السينمائية، العربية والأجنبية، غير منتهيةٍ، رغم عدم تأثيرها وإثارتها أي نقاشٍ لاحقٍ عليها. إدارات مهرجانات عربية، تحديداً، غير مُكترثة بتعليقات ونقاشات كهذه. تظنّ أنّ ما تفعله صائباً، ولا يحتاج إلى تعديلٍ أو تأهيل أو مراجعة أو تصحيح.

يندر أنْ يتبوّأ الإدارة من يسمع ويقرأ ويحاور، وإنْ يتبوّأ مثلُ هذا ذاكَ المنصب، يجد نفسه في قبضة سلطات عربية حاكمة، تميل غالبيتها الساحقة إلى جعل كلّ شأنٍ في الثقافة والفنون والعلوم والفكر أداة تلميع لها، وتغطية لأفعالها العنفية بحقّ بلادها وناس البلاد. كلّ معنيّ بالهمّ السينمائي، يُكلَّف بإدارة مهرجان سينمائي، يخضع لسطوة تلك السلطة، من دون أنْ يستسلم كلّياً لها، فيجهد في اشتغالٍ مختلفٍ، ولو قليلاً، متسلّلاً من ثقوبٍ يجعلها معابر له إلى تجديدٍ أو ترتيب أو تطوير، وإنْ في حدّ أدنى، شرط ألّا يُمَسّ بـ"خطوط حمراء" تفرضها تلك السلطات، مباشرة ومواربة.

مهرجانات سينمائية عربية أخرى تبغي تمويلاً من سلطات بلادها، فتخضع لابتزازٍ كهذا. أفرادٌ يؤسّسون مهرجانات، مختارين لها أسماء توهم بتغييرٍ أو اختلافٍ، فالتخصّص أنجع في جلب أموالٍ من الداخل والخارج في الوقت نفسه. الحاصل حالياً في العالم اهتمام بالمرأة والأقليات وحقوق الإنسان مثلاً، وهذا كافٍ لنيل إعجاب/ أموال جهات عدّة. لا بأس. الأهمّ كامنٌ في مدى جدّية مهرجانات متخصّصة كهذه، وإنْ يتمكّن مؤسّسوها ومدراؤها/ مديراتها الفنيون من الحصول على أموالٍ (فالمهرجان صناعة، والصناعة تحتاج إلى أموال)، علماً أنّ جهاتٍ أجنبية كثيرة تعاني شحّاً في التمويل، أو هذا ما تقوله، على الأقلّ.

وفرة مهرجانات عربية غير مترافقةٍ ونقاشاتٍ جدّية تتناولها برمّتها. هناك هوسٌ في إيجاد مهرجانات، يندر ابتكار أسس ثابتة لها، ولديمومتها، التي يُفترض بها (الديمومة) أنْ تترافق وأعمال تجديد وتطوير، مع استماع إلى ملاحظات، ونقاشات دائمة بهدف إصلاح خطأ أو خلل أو اهتراء، أو لصُنع كلّ جديدٍ ممكن، أو للمحافَظة على الصالح والمهمّ والفعّال والمؤثّر إيجابياً.

غربياً، تواجه المهرجانات الكبرى، المصنّفة فئة أولى (برليناله، كانّ، لا موسترا، أولاً وأساساً)، تحدّيات عدّة، منبثقة من أحوال العالم في 3 أعوامٍ سابقة على الأقلّ. تفشّي وباء كورونا، بدءاً من مطلع عام 2020، سببٌ أساسي في ارتباك كلّ شيء، ما يستدعي إصلاحاتٍ جذرية، أو تمتين الصامد ضد كلّ خلل واهتراء. تنامي "سطوة" المنصّات المختلفة على ملايين الأفراد في العالم، خاصة في الأشهر الأولى لتفشّي الوباء، مُثير لإرباك كبير في آليات عمل الاستديوهات، الكبيرة والمستقلّة، وشركات الإنتاج والتوزيع، وطبعاً صالات العرض التجاري، وصالات "فنّ وتجربة".

المهرجانات الكبرى مُصابة بارتباكاتٍ. في الدورة الـ73 (16 ـ 26 فبراير/ شباط 2023) لـ"مهرجان برلين السينمائي (برليناله)"، يتردّد كلامٌ عن ارتباكه وتحدّياته. قولٌ/ تساؤل، ربما يختزلان النقاش كلّه، ويدفعان إلى بحثٍ جدّي في كيفية التغيير والتجديد: ألنْ يكون بلوغ الـ"برليناله" عامها الـ73 دليل شيخوخةٍ، بما تحمله الشيخوخة من وهن وأعطاب وأمراض؟ ألنْ يحتفل مهرجان "كانّ"، بين 16 و27 مايو/ أيار 2023، بعامه/ دورته الـ76؟ و"فينيسيا/ لا موسترا"، سيُصبح عمره 80 عاماً/ دورة، بين 30 أغسطس/ آب و9 سبتمبر/ أيلول المقبلين؟

 

 

هذه أكثر من مجرّد أرقام/ أعوام. هذا ليس تنظيراً وفذلكةً وتلاعباً للإبهار والتشاوف. كلّ شيء وكلّ أحدٍ قابلٌ للشيخوخة. المرء يتوفى في لحظةٍ ما، وبعض اللحظات تبلغ الشيخوخة، و"ما بعدها" بقليل أحياناً. الموت حاضرٌ دائماً. المهرجانات والمؤسّسات والدول، وغيرها، قابلة أيضاً لموتٍ في الشيخوخة (وأحياناً قبل الشيخوخة)، لكنّها قادرة على النجاة منه، عندما تُدرك ترهّلاً يُصيبها، أو خللاً يتفشّى فيها، أو اهتراءً ينخر روحها، فتعمل على نفض السلبيات كلّها، أو هذا ما يُفترض بها أنْ تفعله.

مهرجانات "برليناله" و"كانّ" و"فينيسيا" تحتاج، بدورها، إلى أفعالٍ تنجّيها من الارتباكات، وبعض الارتباكات طبيعيّ، فكورونا قاتل، ومنصّات عدّة تزداد شراسة ("كانّ" وحده، إلى الآن، مُصرّ على رفض إشراك إنتاجات المنصّات في دوراته، وأبرزها "نتفليكس").

أما المهرجانات العربية، المُقامة في مدنٍ عربية، فتحتاج فعلياً إلى تأهيلٍ يُلغي شكلها الحالي، ويُتيح إنشاء مهرجانات جديدة، بكل ما يعنيه الجديد من أدوات وتقنيات وآليات تنظيم وبرمجة وعروض وصالات ونشاطات، إلخ. هذا من دون التغاضي عن جهود أفراد يريدون، بصدقٍ وشفافية، تطوير ما لديهم، رغم صعوبة (بدلاً من استخدام مفردة "استحالة") ذلك. نظرةٌ إلى المهرجانات العربية الكثيرة تقول، بصدق وشفافية أيضاً، أنّ غالبيتها الساحقة تستأهل إلغاء كلّياً، لإتاحة مجال أوسع أمام مهرجانات تستحقّ الاستمرار (شرط تطويرها وتجديدها)، وأخرى متخصّصة في مسائل حيوية وآنية.

هذه ملاحظات تحتاج إلى نقاشٍ أوسع، رغم تكرار معظمها، ورغم أنّها عامةٌ، والحاجة مُلحّة إلى تحديد الأعطاب، وطرح نقاطٍ صالحةٍ لإصلاح مطلوب.

المساهمون