استمع إلى الملخص
- تواجه منى زكي تحدياً في تجسيد أم كلثوم في "الست"، بعد تجربتها غير الناجحة مع سعاد حسني، مما يثير تساؤلات حول قدرتها على تحقيق التشابه المطلوب.
- رغم نجاح منى زكي في أدوار أخرى، إلا أن تجسيد شخصيات أيقونية يتطلب توازناً بين التشابه والإبداع، وهو تحدٍ كبير لها.
على ما يتمتّع به من موهبة، فإن دوره في "أيام السادات" (2001)، لعلّه الأسوأ في مسيرة الفنان الراحل أحمد زكي (1946 - 2005)، فقد استحوذت عليه وعلى مخرج العمل، محمد خان، فكرة أن يتطابق الفن مع الواقع، أي أن يتقن الممثل تقمّص الشخصية كما هي في الحقيقة، وليس في احتمالاتها الجديدة/الفنية، فكلما أصبح شكل وصوت وحركات أحمد زكي مطابقة للأصل في الواقع كان أكثر إبداعاً، وهذه واحدة من أهم ثغرات ما تُسمى أفلام السيرة.
فعل ذلك بالسوء نفسه ممثل في وزن أنتوني هوبكنز في "بيكاسو الباقي" (1996)، وميريل ستريب في "المرأة الحديدية" (2011). قليلة هي الأفلام التي قاربت سير المبدعين أو الساسة ونجحت في تحقيق شرط الاستقلال أو الانفصال عن النسخة الأصلية، بما يحلّق بالفيلم في فضاء التخيّل، وليس المطابقة الحرفية. ولا علاقة للأمر بالموهبة، بل بإشكالية تتعلق بالسيرة نفسها، سواء كانت نصاً مكتوباً أو درامياً. ومن قرأ "غربة الراعي"، وهي سيرة الناقد والأكاديمي الفلسطيني وأحد أهم من كتب عن "فن السيرة"، إحسان عباس، سيُفاجأ بالكتاب، فثمة كوابح تمتلك أو تنتج ديناميات منفصلة تجعل النص أقرب إلى البيان الرسمي، وتسلبه تلقائيته، والأهم صدقه؛ فهذه الكوابح قدر ما تنتقي ما يراد له أن يُنتج الصورة، قدر ما تقصي الفن نفسه، فهي تقف حاجزاً أمام ميكانيزمات اللاوعي في السرد، فتُجففه وتُسطحه، ليمسي محاولات "واعية"، مُتنبّهة طيلة الوقت، لإنتاج صورة رسمية إذا شئت، لا تتناقض مع ما نعرفه من ماض معروف في أغلبه أو مكرّس عن الشخصية، فلا تحرجه ولا تجبرك على إعادة قراءته نصاً وشخصاً على ضوء ما كتبه من سيرة.
نتساءل: ما الذي يدفع ممثلة موهوبة مثل منى زكي لتسلّق الصخرة الزَلِقة مجدداً؟ وقد أخفقت في محاولتها الأولى في تقديم سعاد حسني في الدراما التلفزيونية. أظن أنها الرغبة في التحدي، وربما دوافع أقل أهمية، وإنْ كانت حاسمة مثل الحوافز المالية (المنتج هو Big Time، هيئة الترفيه السعودية)، أو الرغبة في قرن اسمها باسم أم كلثوم من خلال تأديتها دورها في فيلم يحمل عنوان "الست".
وأياً يكن السبب، فإنّ ثمة جرأة استثنائية من منى زكي، وقبلها من مروان حامد مخرج الفيلم الذي أنهى تصويره قبل فترة قصيرة، وسيعرض مطلع العام المقبل، على مقاربة أم كلثوم سينمائياً، ليس لأنها شخصية مركّبة ولا أظنها كذلك، بل لأن زكي تفتقر إلى أدنى عنصر مشابهة مع أم كلثوم، ولا أظن أن أطناناً من الماكياج أو سواها ستقنع المتلقي أننا أمام أم كلثوم، إلا إذا كانت مقاربتها ساخرة أو فانتازيّة، وهذا مستبعد.
كانت مقاربات سينمائية أخرى تشكو من حالة مناقضة لما تشكو منه مقاربة حامد ومنى زكي، في أن التشابه كان يسعى إلى التطابق، بينما هو في حالة زكي يفتقر إلى الحد الأدنى، إضافة إلى عناصر أخرى لا تبدأ بصوت زكي ولا تنتهي بشكلها، وهو الأمر الذي عاينّاه في مسلسل "السندريلا" (2006) الذي أظنه فشل فشلاً ذريعاً، فكما لا تكفي المشابهة أو السعي إليها شكلياً، فإن الموهبة حتى لو كانت عظيمة لا تسعف ولا تشفع لتقديم شخصية حقيقية على الشاشة، فثمة عناصر كثيرة لا تتوفر في زكي، في محاولاتها العنيدة لقرن اسمها بأساطير السينما والغناء في التاريخ المصري.
الأمر نفسه حدث مع فردوس عبد الحميد في فيلم "كوكب الشرق" (1999) من إخراج زوجها محمد فاضل، وهو ما نجت منه صابرين التي كانت أول من قدّم السيدة أم كلثوم درامياً. رغم تقيّد الأخيرة بشكل المطربة الكبيرة، وتقيّد السيناريو بالسيرة الرسمية المتعارف عليها لأم كلثوم، إلا أن الأداء كان أفضل، وأقرب إلى الإبداع رغم ما سبقت الإشارة إليه.
قدّمت منى زكي في السنوات الأخيرة أدواراً لافتة في مسيرتها، منها "تحت الوصاية" و"لعبة نيوتن"، وفي السينما "الرحلة 404"، وأظنها تبدع أكثر في أداء أدوار المرأة العادية، القادمة من الطبقة الوسطى أو العاملة، أكثر من الأدوار الأخرى التي تسعى فيها إلى قرن اسمها بأسماء أخريات، مثل سعاد حسني وأم كلثوم، وكلتاهما لا تتكرران في تاريخ الفن العربي.