منصة "نيودوس"... استبدال السياسة بالذكورية

21 اغسطس 2021
جوانب أخرى من دمشق نجدها على المنصة (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

اعتدنا أن نشاهد على محطات التلفزيون السورية الداعمة للنظام برامج منوّعة مسجونة في استوديوهات تفصلها عن الواقع، ومهما كان موضوعها أو تصنيفها، فإنها تنطوي على جانب سياسي، لتهدف جميعها للتطبيل لنظام الأسد وجيشه. وفي البرامج القليلة التي تغادر فيها الكاميرا أسوار الاستوديو وتنطلق إلى الشارع لجمع استطلاعات الرأي أو للإيهام بالاهتمام بهموم الناس، كما هو الحال في برنامج "أنت الرقيب" الذي تعرضه قناة الإخبارية السورية، نلاحظ الخوف والتوتر الظاهر على ملامح الناس في الشارع السوري الذي يدفعهم لاصطناع الود وترديد شعارات الطاعة والولاء لبشار الأسد من دون سؤالهم.

لا تعكس هذه البرامج الصورة الحقيقية للشارع السوري، وهو ما يجعل الناس تتهافت على منصات الإعلام البديل التي ترصد بعض الجوانب الأكثر حقيقية في الحياة السورية، والتي برز منها منصة "نيودوس". تبتعد "نيودوس"، كغيرها من منصات الإعلام البديل في سورية، عن طرح أي مواضيع ذات بعد سياسي، ربما بسبب الضغوط الأمنية التي تخضع لها في الداخل، فتتجه لصناعة محتوى ترفيهي.

من خلال برنامجي "كمشتك" و"الليدر" اللذين أطلقتهما نهاية عام 2018، يتجول ديف وفادي في شوارع العاصمة دمشق، ليطرحا الأسئلة على المارّة والمشاركة في بعض التحديات. ومن خلال تلك المقابلات، نتمكن من مشاهدة الكثير من جوانب المدينة التي تُهمش عادةً في الإعلام الرسمي. غالباً ما تُجرى المقابلات في أحياء دمشق الراقية التي لم تتأثر بشكل كبير خلال سنوات الثورة والحرب، فلم تقصف بيوتها ولم تشهد مآسي كبرى كباقي المدن السورية. ورغم ذلك، نرى في خلفية المشهد كيف فقدت تلك الأحياء طابعها وتشوهت وتعسكرت، فالجدران امتلأت بصور بشار الأسد وبألوان العلم السوري، والعساكر يقتحمون الـ "كادر" وهم يتسكعون في أنحاء المدينة حاملين أسلحتهم.

وعلى الرغم من المحتوى الفكاهي، فإن البؤس الذي وصلت إليه المدينة يبدو واضحاً، لنشاهد في خلفية المشهد أيضاً أشخاصا في العقد الخامس أو السادس من العمر يعملون في جمع النفايات أو مهن شاقة لا تناسبهم بسبب الوضع الاقتصادي السيئ. كما ترصد الكاميرا في هوامش المشهد عمالة الأطفال ومعاناتهم.

بالإضافة لما تلتقطه الكاميرا في هوامشها، فإن برنامجي "كمشتك" والليدر" يستعرضان مباشرة ثقافة الشارع السوري اليوم. وعلى الرغم من كون هذه البرامج تحاول أن تنتقي من الشارع شخصيات ملمعة وقادرة على تجاوز معظم الأزمات الاقتصادية التي تعيشها البلاد، إلا أن الحوارات والأفكار التي نسمعها على ألسنتهم هي أفكار عنيفة وذكورية بغالبها، تعكس حالةً من القهر العام والفكر المنعزل السائد الرافض للتطور.

ممكن رصد ذلك بوضوح من خلال مقارنة الرجال بالنساء التي تبدو من المواضيع الأكثر استهلاكاً في هذه البرامج، والتي تبين أن النساء "هن سبب كل بلاء، فهنّ كائنات نكدية، ولا تتمتع بالذكاء الذي يتحلى به الذكور"! ترد في بعض الحلقات إساءات لا يمكن تجاهلها، فمن الإهانات المتداولة في البرنامج "لأنك حريمة" وكأن الامرأة هي كائن أدنى، من الممكن أن يختزل كل الصفات السلبية المحملة ضمنياً بالشتيمة.

من ناحية أخرى، يمرّر البرنامج بشكل غير مباشر بعض الرسائل السياسية المبطنة، عبر تركيزه المفرط على أن نسبة كبيرة من المارة كانوا في الفترة الماضية خارج البلاد وعادوا إلى حضن الوطن، وهم الآن يعيشون في نعيم وراحة بال. كما أن القناة تعرض في برامجها "مزايا العودة للوطن"، وتعلن أسعار المنتجات بالدولار الأميركي، لتروج لسورية على أنها بلد رخيص وممتع، من دون أن تلمح إلى أن هذه القيمة الرخيصة للمأكولات أو الملابس هي رقم خيالي بالنسبة للرواتب داخل سورية.

وعلى الرغم من كل ما تحتويه هذه البرامج من أفكار رخيصة غالباً ذكورية أو كارهة للنساء ومحطّمة لهنّ، يجب محاربتها بدلاً من التسويق لها، كالحديث عن التحرش اللفظي بوصفه أمراً إيجابياً والإشارة الخاطئة إلى أن النساء تتقبله وتستمتع به، أو "عدم قدرة النساء على العمل في مناصب إدارية"، إلا أن وجودها يبدو ضرورياً باعتبارها خطوة جديدة ليكسر هيمنة الإعلام الرسمي حتى على مستوى الجمهور في مناطق النظام.

إلا أن النزعة للتجديد على مستوى الشكل تفقد قيمتها عندما تنطوي على مضامين رجعية محصورة في ذات الأفق والأفكار البالية التي تُستهلك منذ عقود في المنصات الإعلامية التقليدية. لذلك، لا قيمة لكل ما تقدمه "نيودوس" طالما أنها تعيد تدوير ذات الأفكار الذكورية البالية، بل هي تبدو أكثر خطراً عندما تستخدم أشكالا فنية وسبلا جديدة لإعادة بث هذا الفكر، وخلق نسخة جديدة منه أكثر جاذبية للأجيال الجديدة. إذ إن "نيودوس" تقدم الأفكار والنكات الذكورية بصيغة مختلفة لتبدو أكثر عصرية وجاذبية، وفيها تحول النكات والأفكار الذكورية المتطرفة إلى جزء من شخصية الشاب الـ "كوول" في الشارع السوري.

دلالات
المساهمون