منصات التواصل تؤجج عنف المتطرفين في بريطانيا

07 اغسطس 2024
في ساوثبورت، 30 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

تستمر المواجهات بين متظاهرين من اليمين المتطرف والشرطة البريطانية في ظل توسع رقعة الاحتجاجات العنيفة المرتبطة بانتشار معلومات مضللة حول الهوية الدينية لمرتكب حادث طعن جماعي أسفر عن مقتل ثلاث فتيات يوم الاثنين ما قبل الماضي. وتمثل هذه الاضطرابات في جميع أنحاء بريطانيا، التي وضعت الجالية المسلمة في البلاد على المحك وتخللها اعتقال العشرات، أكبر تحدّ يواجهه رئيس الوزراء العمالي كير ستارمر بعد شهر من توليه منصبه. وسلطت الأحداث الضوء أيضاً على المحرضين من اليمينيين المتطرفين المرتبطين بالهوليغانز، وهم فئة المشجعين المسؤولة عن أعمال الشغب في ملاعب كرة القدم، في وقت تحقق فيه الشعارات المناهضة للهجرة بعض النجاح الانتخابي اللافت في السياسة البريطانية.

وما زال الوضع هشاً، إذ يتأثر بمعلومات مضللة يتداولها مؤثرون من اليمين المتطرف عبر الإنترنت بشأن هوية مرتكب حادث الطعن. وأبدى ستارمر حزماً كبيراً في الأيام الأخيرة في مواجهة ما وصفها بأنها "بلطجة اليمين المتطرف". ودعا إلى اجتماع أزمة مع لجنة الطوارئ الوطنية البريطانية المعروفة باسم "كوبرا". وضم الاجتماع وزراء وممثلين للشرطة الاثنين في مقر إقامته الرسمي في لندن. وتعهد رئيس الوزراء البريطاني فرض "عقوبات جنائية سريعة" على مثيري الشغب المتورطين بأعمال العنف، بعدما ترأس الاجتماع في مقر الحكومة في داونينغ ستريت. وقال ستارمر لوسائل الإعلام إن أولويته "المطلقة" هي وضع حد للفوضى وأن "تكون العقوبات الجنائية سريعة". وأكد أنه بناء على الاجتماع سيُتخذ "عدد من الإجراءات" بينها "تعزيز القضاء الجنائي". وحذّر رئيس الوزراء البريطاني بعد ظهر الأحد محتجي اليمين المتطرّف من أنهم "سيندمون". وقال في كلمة متلفزة: "أؤكد أنكم ستندمون على المشاركة في هذه الاضطرابات، سواء مباشرة" أو من خلال "تأجيج هذه التحركات عبر الإنترنت".

وانتقد ستارمر مباشرة شركات التكنولوجيا المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي، إذ انتشرت عبرها، وبشكل سريع، معلومات زائفة حول هوية الشاب أكسل روداكوبانا مرتكب الجريمة، والذي بلغ اليوم الأربعاء عامه الـ18، بغض النظر عن عدد المرات التي ردت فيها الشرطة والمسؤولون الحكوميون على هذه الادعاءات. بعد الهجوم انتشرت مزاعم بأن منفذ الهجوم لاجئ سوري، بينما هو في الواقع وُلد في كارديف في ويلز، وعاش في بريطانيا طوال حياته، ووالداه من رواندا. خبر كاذب آخر غذّى عنف العنصريين أن أكسل روداكوبانا مسلم، لكن الحقيقة أنه من عائلة مسيحية ملتزمة بطقوس ونشاطات كنيستهم المحلية في قريتهم.

وتم تضخيم المعلومات المضللة من قبل المحرضين اليمينيين المتطرفين الذين لديهم الكثير من المتابعين على شبكة الإنترنت، والذين استخدم العديد منهم تطبيقات المراسلة مثل "تليغرام" و"إكس" للدعوة إلى الاحتجاج في الشارع. تبع ذلك اشتباكات في مدن عدة من المملكة المتحدة. وأُعلن عن المسيرات المناهضة للهجرة على صفحات تواصل اجتماعي يمينية متطرفة تحت شعار "طفح الكيل".

وحمّلت الشرطة مسؤولية الفوضى لمنظمات مرتبطة بـ"رابطة الدفاع البريطانية" المناهضة للإسلام التي تأسّست قبل 15 عاماً وجرى حلها. وخلال الاحتجاجات برز متظاهرون يرددون شعارات مثل "أوقفوا القوارب"، في إشارة إلى المهاجرين "غير الشرعيين" الذين يبحرون إلى بريطانيا من فرنسا. ووصلت تهديدات إلى مساجد في ساوثبورت وفي مدينة سندرلاند شمال شرقي إنكلترا، ما أدى إلى تعزيز الأمن في مئات المؤسسات الإسلامية وسط مخاوف على سلامة المصلين.

ونظّم متظاهرون مناهضون للفاشية مسيرات مضادة في مدن عدة، من بينها ليدز، حيث هتفوا: "ابتعدوا عن شوارعنا أيها النازيون الحثالة"، بينما هتف المتظاهرون اليمينيون المتطرفون: "أنتم ما عدتم إنكليز".

وأشار معلقون إلى أن المتظاهرين، بتحريض من مؤثرين على الإنترنت، قد يشعرون بالجرأة بسبب بروز سياسيين بريطانيين مناهضين للهجرة. ففي انتخابات الشهر الماضي، حصل حزب الإصلاح البريطاني بزعامة نايجل فاراج على 14 في المائة من الأصوات، وهي أكبر حصة أصوات لحزب بريطاني يميني متطرف. وقالت الزعيمة المشاركة لحزب الخضر اليساري، كارلا دينير، إن الاضطرابات يجب أن تكون "دعوة للاستيقاظ لجميع السياسيين الذين روّجوا أو استسلموا" للخطاب المناهض للهجرة.

ويخشى المسؤولون المزيد من العنف في الأيام المقبلة، وفق ما لفتت إليه صحيفة نيويورك تايمز. وكانت الأكاذيب واسعة الانتشار إلى الحد الذي جعل القضاء يتخذ خطوة غير عادية برفع القيود المفروضة على تسمية المشتبه بهم من القاصرين، وذكر اسم المهاجم المحتمل أكسل روداكوبانا. وقال ستارمر في خطابه المتلفز: "اسمحوا لي أن أقول أيضاً لشركات التواصل الاجتماعي الكبرى وأولئك الذين يديرونها: إن الاضطرابات العنيفة، التي يتم الترويج لها بوضوح عبر الإنترنت، هي أيضاً جريمة، إنها تحدث في مقاركم، ويجب احترام القانون في كل مكان".

وفي السياق نفسه، قالت الصحافية الفليبينية الحائزة جائزة نوبل مارا ريسّا، لـ"ذا غارديان": "التطرف دائماً موجود، لكن القادة كانوا بمثابة الجسر الذي يجمع الناس معاً. من المستحيل القيام بذلك الآن، لأن ما كان يثير تطرف المتشددين والإرهابيين في السابق يثير الآن تطرف الجمهور. نظام المعلومات مصمم على هذا النحو".

وأضافت ريسّا، وهي من أشد المنتقدات لعمالقة التكنولوجيا: "كانت هناك دائماً دعاية وكان هناك دائماً عنف. ما جعل العنف سائداً هو منصات التواصل الاجتماعي. الهجوم على الكابيتول الأميركي (6 يناير/كانون الثاني 2021) مثال واضح: لم يكن الناس قادرين على العثور على بعضهم البعض لو لم تجمعهم وسائل التواصل الاجتماعي معاً وتعزلهم ليحضروا بعضهم البعض أكثر". ونبهت قائلة: "يتعين على السياسيين أن يتوقفوا عن استخدام مصطلح العالم الحقيقي في مقابل مصطلح العالم الإلكتروني. كم مرة علينا أن نكرر؟ إنهما الشيء نفسه".

المساهمون