قادني البحث عن الفنان العالمي بابلو بيكاسو ومشاهدة الأعمال السينمائية والتلفزيونية عنه إلى متابعة السلسلة التلفزيونية التي أنتجتها قناة ناشيونال جيوغرافيك عام 2017، بعنوان "العبقري" عن سير أعظم الشخصيات المؤثرة بالتاريخ الحديث.
واختارت القناة ألبرت أينشتاين للموسم الأول وبابلو بيكاسو للموسم الثاني، فيما خصّصت الموسم الثالث لمغنية البوب الأميركية، المعروفة بملكة السول، أريثا فرانكلين، بعدما كان مقرراً أن يخصص الموسم للأديبة الإنكليزية ماري شيلي مبدعة شخصية فرانكنشتاين.
يتناول الموسم الأول من السلسلة عبر عشر حلقات حياة العبقري الألماني السويسري الأميركي الشهير ألبرت آينشتاين بالاعتماد على كتاب "آينشتاين: حياته وعالمه" للكاتب الأميركي والتر إيزاكسون والمنشور عام 2007، والكتاب مترجم للعربية بقلم هاشم أحمد محمد، ويسرد أدق تفاصيل حياة آينشتاين ويكشف عن خفايا هذه السيرة.
وقد شارك المؤلف إيزاكسون بكتابة السيناريو، وهو المشهور بكتابة سير العظماء فقد نشر كتاباً عن بنجامين فرانكلين وآخر عن هنري كيسنجر، فيما يعدّ كتابه عن ستيف جوبز من الكتب الأكثر مبيعاً، بينما تخطط شركة بيكتشرز لإنتاج فيلم مقتبس من كتابه عن سيرة ليوناردو دافنشي من بطولة النجم ليوناردو ديكابريو.
إن جاز لنا، وحسب المسلسل، تلخيص سيرة هذا العبقري واكتشافاته العلمية المذهلة عن النسبية الخاصة والعامة، وقبلها التأثير الكهروضوئي وتكافؤ المادة والطاقة وميكانيكا الكم، فهي مسيرة كفاح ضد الفشل وعدم الاعتراف ونضال متواصل ومضنٍ ضد الإهمال والإقصاء منذ سنوات حياته الأولى، إلى فترة عمله كموظف في مكتب تسجيل براءات الاختراع في مدينة برن السويسرية، مروراً بنيله جائزة نوبل عام 1921 عن بحثه عن التأثير الكهروضوئي وليس عن نظرية النسبية التي اعترض عليها الكثير من علماء تلك الفترة، ولاسيما النازيين الألمان ووصمت بالهرطقة، وبأنّها تشويه يهودي لنظرية إسحاق نيوتن.
منذ يفاعة آينشتاين وذهنه مشغول بسؤال ما الوقت؟ وما هو الزمان؟ وما الفراغ؟ وما هي الحركة؟ واستغرق حياته كلها بحلّ هذه الأسئلة حيث كتب في بداية حياته العلمية: "من أصغر مثقال إلى أكبر مجرة، كل سؤال يجب أن يكون له جواب معروف ولقد اعتزمت أن أجد هذه الأجوبة".
وعندما سئل كيف أصبحت ذكياً؟ أجاب: "ليست لدي مواهب خاصة، ولكني فضولي بشكل لا يوصف، كل ما أفعله هو طرح الأسئلة".
كانت إجابات آينشتاين عن هذه الأسئلة بغاية التعقيد، ولكنه بسطها للرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على الشكل التالي: "إذا كنت تقف على نار مشتعلة فستشعر بأن الثانية كالدهر وعندما تكون في الفراش مع امرأة جميلة تمر الساعة بلمح البصر، فالوقت خداع".
ويسرد الفيلم كفاح العالِم، الذي لا يكل ولا يمل، لبرهنة نظريته النسبيةـ وكذلك تفاصيل حياته التي لم تكن ميسرة ولا سهلة في البداية، وكذلك زواجه من الصربية ميلفيا ماريك والتي شاركت معه بكتابة بعض الأبحاث، إلّا أنها أخذت أموال جائزة نوبل منه كشرط من التسوية لطلاقها منه.
كذلك يسرد المسلسل تفاصيل زواجه الثاني من ابنة عمه إليسا وعلاقاته النسائية المتعددة وعلاقته المعقدة بأبنائه.
بكل الأحوال، يبقى التناقض الأساسي عند عالمنا هو دوره بإنتاج السلاح النووي، حيث ساهم بالتوقيع على رسالة للرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت تحثه على إنتاج القنبلة النووية قبل أن يصل إليها علماء هتلر النازيون. أدى ذلك في النهاية إلى إطلاق مشروع مانهاتن لإنتاج السلاح النووي، والذي استعان بعلم آينشتاين ومعادلاته الرياضية، وانتهى إلى جريمة ضرب مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين.
وهنا لا بد من التذكير بأن آينشتاين قد رفض أثناء الحرب العالمية الأولى التوقيع على تعهد الأكاديمية البروسية، والتي كان عضواً فيها، بدعم الصناعة الحربية الألمانية وشجب اختراع زملائه من الأكاديمية للغازات السامة ووقع على البيان السلمي للأوروبيين.
ندم آينشتاين على رسالته النووية واعترف بخطئه القاتل، ولا سيّما أنّه حرص على تصدير نفسه كداعية سلام ومواطن عالمي وداعٍ لحكومة عالمية ديمقراطية، ووقع لاحقاً على بيان مع الفيلسوف الإنكليزي برتراند رسل وآخرين لشجب السلاح النووي واستخدامه.
الإشكالية الأخرى هي موقفه من الصهيونية، فهو من دعاة إقامة مجتمع صهيوني اشتراكي في فلسطين ومع الهجرة غير المشروطة لليهود إلى "أرض أجدادهم" مع رفض طرد الفلسطينيين من أرضهم وعقد سلام مع العرب "لكي يستطيعوا العيش بدلاً من تكوينهم مجتمعاً يهودياً عنصرياً".
ساهم آينشتاين بتأسيس الجامعة العبرية في القدس، وأوصى بمكتبته وأرشيفه الشخصي لها، وعندما مات صديقه الرئيس الإسرائيلي حاييم وايزمن عرض عليه رئيس الوزراء دافيد بن غوريون أن يكون رئيساً لإسرائيل فكتب أنه تأثر بعمق، ولكنّه "حزين وخجل" لأنّه لا يستطيع القبول.