قبل الافتتاح الرسمي للدورة الـ75 (17 ـ 28 مايو/أيار 2022) بثلاثة أيام، أعلنت إدارة مهرجان "كانّ" السينمائي عن بدء عمل الموقع الخاص بحجز تذاكر العروض للنقّاد والصحافيين، وللسوق السينمائية، ولغيرها من النشاطات والتظاهرات والمسابقات. نظامٌ دُشِّن العام الماضي بسبب كورونا، وقيل إنّ استمراره هذا العام متأتٍ من السبب نفسه، وذلك لتجنّب الوقوف في صفوفٍ طويلة، وتسهيل سرعة الدخول إلى الصالات، وعدم إهدار وقتٍ كثير، إذْ بات يُمكن لصاحب التذكرة أنْ يحضر قبل 20 دقيقة فقط من بداية العرض.
لكنْ، مع أول يومٍ لتشغيل الموقع في الموعد المحدّد لحجز البطاقات (7 صباحاً)، فوجئ الجميع بأنّ الموقع لا يعمل، كما تحميل صفحة الموقع، فتظهر رسالة من اثنتين: "خطأ"، أو "الموقع غير متاح". هذا يعني أنّ تأمين التذاكر أصبح مستحيلاً، خاصة بالنسبة إلى العروض الأولى.
مشاكل الدخول إلى مواقع حجز التذاكر، والحصول على البطاقات، ليست جديدة بشكل خاص في المهرجانات السينمائية. إلاّ أنّ حلّها يتمّ، عادة، في اليوم الأول، أو اليوم الثاني، أي فور حصولها. لكنْ، مع موقع مهرجان "كانّ"، استمر الأمر بشكلٍ غير مفهوم وغير مُبرّر. أحياناً، تسير الأمور جيّداً من خلال تطبيق الهاتف، وليس عبر جهاز الكمبيوتر. أحياناً أخرى يحصل العكس. في الأحوال كلّها، الموقع بطيء جداً، ومعظم التذاكر غير مُتاحة لأسبابٍ مجهولة، وإن حصلت عليها، تكون ملفّاتها فارغة، ويجب الانتظار لمدّة ساعة، أو أكثر، كي تظهر صورة التذكرة بدلاً من الملف الفارغ. وأيضاً، هناك انتظارٌ لأكثر من ساعة كي تصل التذكرة على البريد الإلكتروني.
بعد 3 أيام من فتح موقع حجز البطاقات، وبداية اليوم الأول للدورة الجديدة، قال تييري فريمو (المندوب العام للمهرجان)، في مؤتمر صحافي، إنّ سبب المشاكل التي يُعانيها الموقع على شبكة الإنترنت، على الأرجح، "أعمالٌ خبيثة، تهدف إلى إغراق الموقع بالطلبات، وبالتالي منع روّاد المهرجان من الوصول إليه"، مُشيراً إلى نوع من "الهاكر"، أو غيرها من أعمال القرصنة. أمرٌ كهذا أضحك كثيرين ممن لديهم خبرة بالأمور التقنية، فطبيعيٌ أنْ يتسبّب الضغط الكبير على الموقع في الوقت نفسه، أي 7 صباحاً، في انهياره وتعطّله. ألم تنتبه إدارة المهرجان إلى أنّ عمليات التسجيل هذا العام، بعد انحسار وباء كورونا، كانت أعلى خمس مرّات مقارنةً بعام 2021؟
رغم المشاكل التقنية هذه، سجَّل نظام التذاكر أكثر من 35 ألف حجزٍ في الأيام الثلاثة الأولى، وفقا لما أعلنته إدارة المهرجان. ومع احتدام التذمّر والسخط، ما أنذر بتفجّر الوضع، أرسل المكتب الصحافي رسالة مسائية إلى النقاد والصحافيين فقط، فيها اعتذار وشرح وتبرير، مع رابطٍ خاص بهم تحديداً، يُتيح لهم حجز التذاكر، بعيداً عن الموقع، وضغط روّاد السوق وغيرهم. هذا أدّى إلى تحسّن الأمور إلى حدّ بعيد، لكنّ آثار التحسّن ستظهر لاحقاً، مع حجز بطاقات الأيام المقبلة، أي النصف الثاني من أيام الدورة الـ75.
اللافت للانتباه أنّه، رغم عدم توفر التذاكر على الموقع حتّى اللحظات الأخيرة قبيل العروض، وبعد دخول غير الحاصلين على تذاكر، وانتظار مقاعد فارغة في الدقائق الخمس الأخيرة، تظلّ هناك مقاعد فارغة في العروض كلّها، ما يضع علامات استفهام كثيرة حول طريقة الحجز الإلكتروني.
المُثير أكثر وأكثر، أنّ المشكلة التي كان المهرجان يسعى إلى حلّها، أي عدم الانتظار طويلاً في صفوف ممتدّة إلى ما لا نهاية أمام الصالات، لم تختفِ أبداً، إذْ ظلّت كما كانت عليه سابقاً. صحيحٌ أنّ وتيرتها خفّت، لكنّها لم تنتهِ. الفرق هذا العام أنّ الجميع يتكدّسون معاً في الصفوف نفسها، بصرف النظر عن تراتبيّة ألوان البطاقات الخاصة بالنقاد والصحافيين، ما ألغى أولوية الدخول، وغيرها من الامتيازات التي يحصل عليها بعضهم. هذا التميّز لم يُجدِ كثيراً، بدوره، بالنسبة إلى موقع حجز التذاكر، إذْ اعتقد كثيرون أنّ البطاقة ستمنح أولوية في الحجز. هذا لم يحدث.
إلى ذلك، غيّر المهرجان، لأسباب مجهولة، أماكن الحصول على البطاقات الصحافية من المكان المعتاد، في أحد الطوابق السفلية في مبنى "قصر المهرجانات والمؤتمرات"، إلى مكان آخر، على بُعد خطوات منه. المكان الجديد هذا مخصّص سابقاً للسوق السينمائية، ما أدّى إلى اصطفاف الجميع بشكل ضخم على امتداد رصيف الميناء المُجاور للقصر، تحت شمسٍ حارقة، وفي ظلّ أعمال ترميم ورصف وتعبيد، في الشوارع المقابلة، وأمام المقاهي، حيث نقطة تجمّع النقاد والصحافيين، فُيزيد الغبار ورائحة الزفت والقطران من عبثية الوضع.
تفاقمت صعوبة الوضع أكثر، وازداد سخط النقاد والصحافيين بسبب تعطّل نظام توزيع "البطاقات الصحافية" أكثر من 5 ساعات في اليوم الأول، ما دفع بعضهم إلى الانصراف، وتأجيل الحصول عليها إلى اليوم التالي، أو الانتظار تحت الشمس، على أمل عودة النظام إلى العمل، والحصول عليها. تلك المشكلة أثارت أيضاً أزمة، بالنسبة إلى نقاد وصحافيين رغبوا في حضور المؤتمر الصحافي لتييري فريمو، الذي تزامن مع تعطّل النظام، ما استدعى تدخّل المكتب الصحافي، والتواصل مع النقاد والصحافيين للسماح لهم بدخول القصر من دون "البطاقات الصحافية"، لتجاوز الأزمة.
مع عودة نظام الحصول على البطاقات الصحافية، فوجئ النقاد والصحافيون بعدم وجود أي مطبوعات، بما في ذلك البرنامج الصغير الخاص بجدول العروض الصحافية، أو الذي يصدر يوماً تلو آخر، ولا أي مطبوعات أخرى، كما جرت العادة، باستثناء كمامات قماشية، إلى هدية، عبارة عن ملصق كبير، ليس للدورة الجديدة، بل لدورات سابقة، على أنْ يختار كلّ واحدٍ منهم ما يرغب في الحصول عليه.
قبل يومٍ واحدٍ من إطلاق الدورة الـ75، أرسلت إدارة المهرجان رسالة بريدية ذُكر فيها إلغاء الحقيبة الصحافية المُعتاد منحها لوضع المطبوعات فيها، وأغراض مختلفة؛ مع تعليمات تصبّ كلّها في ضرورة الحفاظ على البيئة من التلوّث وانبعاثات الكربون، إلخ. بدورها، تطلّب هذا دفع 25 يورو عند التسجيل، للتبرّع بها لهذا الغرض. لكنْ، لم يكن أحدٌ يتوقّع عدم توفر الجدول الصحافي. بالإضافة إلى ذلك، أُلغيَت الصناديق الخاصة بالنقاد والصحافيين نهائياً، إذ لم تعد هناك مطبوعات أو كتالوغات أو ملفات صحافية أو صُور أو أماكن العروض، وكلّ هذا كانت تُرسله شركات الأفلام والدعاية والتوزيع والترويج والمهرجان، يومياً، إلى النقاد والصحافيين عبر تلك الصناديق.