ما بين الحين والآخر، يُفاجأ متابعو الوسط الفني المصري ببعض بائعي المقتنيات القديمة والنادرة يعلنون عن عرض ممتلكات لكثير من النجوم الراحلين، ما يثير تساؤلات حول كيفية تفريط عائلاتهم في ذلك، خصوصاً أنّ هذه الممتلكات تمثل ذكريات ومشوار حياة فنية وشخصية صنعها صاحبها على مدار عمره.
في الآونة الأخيرة، كُشف بيع كثير من مقتنيات الفنان الراحل سمير صبري في إحدى المكتبات، إذ قال الكاتب وائل السمري إنّه فوجئ بوجود أفيشات والعديد من الأغراض القديمة التي تخص الفنان الراحل في إحدى المكتبات، ولما سأل صاحب المكتبة عن مصدرها، أكد له أنه حصل عليها من بائع روبابيكيا، أي بائع أنتيك. وأكد السمري، في تصريحات تلفزيونية، أنّه اشتراها بهدف الحفاظ عليها، لأنّ كثيرين لا يعرفون قيمتها. وضمت المقتنيات 300 أفيش أصلي بأحجام متوسطة وكبيرة، لمجموعة من الأفلام التي شارك فيها صبري، وجميعها مدموغة بأختام الرقابة ونقابة الممثلين، إضافة إلى عدد كبير من صوره التذكارية مع أشهر نجوم الفن في مصر.
اللافت أن ما حدث يتناقض مع ما قررته وزيرة الثقافة، نيفين الكيلاني، في سبتمبر/أيلول الماضي، بإجراء حصر مقتنيات سمير صبري، وذلك من خلال تشكيل لجنة برئاسة مستشار مقتنيات السينما محمود عبد السميع أبو المعاطي، وعضوية هشام كامل سليمان المتخصص في التراث، ومدير عام الصيانة في وزارة الثقافة عبد الله جميل الدين، وفاطمة الزهراء سعد من وحدة التراث السينمائي، والمونتير والمشرف على وحدة المونتاج في نشاط السينما هاني جميل عزيز، وخبير التراث سامح فتحي، وذلك تحت إشراف مستشار وزيرة الثقافة لشؤون السينما خالد عبد الجليل.
سبق وكشف الناقد السينمائي عصام زكريا عن بيع مقتنيات الفنان الراحل نور الشريف الشخصية والعائلية، في سوق الأنتيكات. وأوضح أنّ المقتنيات ضمت عشرات الألبومات والسيناريوهات وكتبه والجوائز التي حصل عليها والإهداءات المختلفة من مؤسسات ثقافية، إضافة إلى عدد كبير من بوسترات وبروشورات الأفلام التي أنتاجها. وأشار زكريا إلى أنّ عائلة الشريف هي التي طلبت من أحد العاملين التخلص من هذه الأشياء التي كانت موجودة في الشقة القديمة. وعاتب الناقد وزارة الثقافة لعدم تحركها، كما لم تتحرك أيضاً أي مؤسسة رسمية ثقافية.
وبعد الانتقادات والاتهامات التي نالت من أسرة نور الشريف، خرج الناقد أيمن الحكيم ليؤكد أنّ أسرته بريئة تماماً مما حدث، قائلاً: "علمت من أحد البائعين أنّ نور الشريف كانت لديه شقة إيجار قديم في ميت عقبة. وبعد وفاته وجد صاحب الملك مجموعة كراكيب تتضمن المقتنيات والصور التي تم بيعها، إذ باع صاحب منزل نور الشريف المقتنيات بعد وفاته من دون التواصل مع أي من أفراد الأسرة، فهو السبب في إهدار هذه المقتنيات، ومنها كتب نادرة في فن التمثيل"، لافتاً إلى أنّ بائعي الأنتيكات لم يتواصلوا مع وزارة الثقافة، وهدفهم تحقيق أعلى مكسب مادي، لأنّهم يعرفون جيداً قيمة ما يملكونه.
بعد وفاة الفنان هيثم أحمد زكي، نجل الفنان الراحل أحمد زكي، كشف رامي بركات، وهو الأخ غير الشقيق لهيثم زكي، أنه حينما عاد من لندن حيث يقيم، لتلقي العزاء في شقيقه، ذهب إلى المنزل الذي كان يقيم فيه هيثم في حي الهرم في الجيزة لبيعه ونقل مقتنياته إلى منزل آخر في حي المهندسين بالقاهرة، وفوجئ بأنّ المقتنيات اختفت، ليعرف أنّ المحامي الذي وقع عقود بيع المنزل فرط فيها، طبقاً لروايته وقتها. وحينما طلب منه إعادتها إليه لرغبته في تقديمها إلى وزارة الثقافة المصرية، لم يرد عليه، فحرر رامي بركات محضراً بالواقعة. وبعد ذلك، كشف صاحب المنزل الجديد أنه اشتراه من رامي بركات نفسه وليس من المحامي، ما دفع وزيرة الثقافة وقتها إيناس عبد الدايم إلى التدخل ومحاولة إعادة المقتنيات، لكنّ المشتري طلب عائداً مادياً لأنّه اشترى المنزل بما يحتويه من مقتنيات، ودخلت الوزارة فعلياً في مفاوضات معه. كما كشف نقيب الممثلين الفنان أشرف زكي، وقت الأزمة، أنه لا يعرف مُشتري المنزل، لكنّه يعرف المحامي الذي أكد له أنه في حال بيع الشقة ومقتنياتها سيبلغه هو أو الفنان أحمد السقا، لكن لم يحدث واختفى المحامي.
وعن موقف النقابات الفنية مما يحدث، قال المخرج عمر عبد العزيز، في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد"، إن قضية بيع المقتنيات في محلات الأنتيكات، ولدى بائعي الروبابيكيا، "أمر حزين، ولا يعلم من يقوم بمثل هذه الخطوات غير اللائقة"، موضحاً أنّه لا يعتقد أبداً أنّ أحداً من ورثة الفنانين يُقبلون على مثل هذه الأفعال التي اعتبرها مشينة وتهدر تاريخ فنانين كبار. وأوضح عبد العزيز أنّ العمل جارٍ على متحف سينمائي، يجمع في طياته كلّ تراث الفنانين، ويضم بعضاً من مقتنيات الفنان الراحل أحمد زكي. والفترة المقبلة ستشهد ترميمات للكثير من مقتنيات الفنانين الراحلين، حتى تُحفظ من الإهدار الذي لطالما حدث في الفترة الأخيرة.