يحكي معرض "المساجد في قطر بين الأمس واليوم" صور المكان على صعيدي العمارة والدور الاجتماعي وتاريخه، خصوصاً الحديث منه والذي ما زالت معالمه قائمة، مثل مسجد القبيب وسط الدوحة الذي أقيم أواخر القرن التاسع عشر.
وافتتح المعرض الخميس، في متحف الفن الإسلامي في الدوحة، وتضمن بشكل بارز الصور الفوتوغرافية والمجسمات الإيضاحية للمساجد التي رممتها متاحف قطر، وهي تحتفي بإحياء الهوية المعمارية القديمة للبلاد وإبرازها.
وبقيت هذه المساجد مهجورة سنوات طويلة، بسبب انتقال القطريين إلى مراكز السكن الحضرية ذات المساجد الحديثة، إذ أدى نمو المدن وحضور التقنيات الجديدة وتأثير العمارة من خارج قطر إلى أفول الشكل التقليدي لعمارة المساجد منذ السبعينيات فصاعداً.
وتعكس المقارنة بين مساجد كتارا والمدينة التعليمية ومحمد بن عبد الوهاب، الحديثة، والمساجد التقليدية التي تتقابل في المعرض، تغيرات جوهرية في تقنيات العمارة الحديثة، وإن كانت تستلهم الروح الثقافية المحلية والإسلامية بالطبع في الشكل الهندسي والخط العربي.
ويعد مسجد محمد بن عبد الوهاب الذي افتتح عام 2011، ويتسع لعشرات الآلاف من المصلين، نسخة عصرية من مسجد القبيب الذي شيد عام 1878، إلا أنه أضخم حجماً وأوسع مساحة، وهما معاً الوحيدان اللذان يتميزان بعدد كبير من القباب.
ولكن في الجملة، وتبعاً للمواصفات التي سجلها خبير الآثار محمود خضراوي في كتابه "مساجد قطر... تاريخها وعمارتها" الذي استنار المعرض بفحواه، فقد كانت المساجد القديمة زاهدة في التفاصيل، وتلبي فوراً حاجة المجتمع وخبرته الموروثة في العمارة المحلية بأدوات بسيطة يديرها "الأستاذ"، وهي كُنية البنّاء في مناطق مختلفة من الخليج العربي.
بنيت المساجد التقليدية من المواد المتوافرة في البيئة المحلية، كالحصى والجص (الحجر الجيري) والنُّورَة (الطلاء الجيري المائي) والطين وسعف النخيل.
ولم يتطلب بناء المحاريب والأبراج المقببة البسيطة الكثير من المهارة، لذا كان من السهل بناؤها وإصلاحها. وليست كل المساجد التي يعرضها المعرض ذات مآذن، إذ إن بعضها كان يساوي مساحة غرفة كبيرة تتسع لبضع عشرات من المصلين مع حوش للصلاة بحسب ظروف الطقس.
أما جدران المسجد والأفنية فهي سميكة قاومت عوامل الزمن طويلاً، بسبب تكيفها مع المناخ الصحراوي القاسي، ما وفر الظل والحماية من العواصف الرملية. واجتماعياً أدى المسجد التقليدي دوره بفعالية، فهو المكان الذي يقصده رجال القرية للصلاة (تصلي معظم النساء في المنازل)، وهو مركز للتباحث ومناقشة القضايا التي تؤثر على حياة المجتمع، وهو مدرسة دينية.
عقب تناقص أعداد المقبلين على هذه المساجد وصولاً إلى هجرانها تماماً، أسهمت متاحف قطر في ترميم المساجد التالية وحفظها وهي: مسجد الرويس (الرويس) ــ 1915، ومسجد بن عبيد (الدوحة) ــ 1935، ومسجد زكريت (زكريت) ــ 1940، ومسجد العامري (الجمالية) ــ 1940، ومسجد البحر (أبو ظلوف) ــ 1940، وعين سنان ــ 1940، والنعمان (النعمان) ــ 1946، ومسجد فويرط (فويرط) ــ 1950، والبصير ــ 1960.
وقال نائب مدير متحف الفن الإسلامي للتعليم وتوعية المجتمع، سالم المري، في تصريحات للصحافة خلال الجولة، إن بعض المساجد المرممة شهدت عودة الناس للصلاة فيها.
وأبعد من المساجد الحديثة والمعاصرة، هناك بقايا مسجد مندثر هو الأقدم تاريخياً، عُثر عليه في مروب (شمال غرب قطر) وبني في العصر العباسي (القرن التاسع الميلادي/ 200 هجري) بتصميم سهل للغاية، يتألف من غرفة واحدة مع محراب يُدخل إليه عبر فناء مكشوف.
واكتشفت آثار المسجد خلال حفريات بدأت في الخمسينيات، وكان آخرها في العام 2009. وتدل دراسة الفخار المكتشف في الموقع على أن مروب كانت تضطلع بنشاط تجاري، وكانت موطناً لمجتمع نابض بالحياة مع اقتصاد يجمع بين صيد الأسماك وتربية المواشي.
وخلال الجولة، لم يغفل القائمون على المعرض التعريف بنخبة من الأئمة القطريين الذين اقتدى بهم المجتمع، ومؤذنين آخرين اشتهروا على مرّ العقود الماضية، في لفتة تكريمية من متاحف قطر.
وفي الأثناء، عرض داخل صندوق زجاجي مصحف قطر الذي صدر عام 2010، وهو المصحف الذي عُقدت لكتابته مسابقة دولية فاز بها الخطاط السوري عبيدة البنكي واستغرق العمل عليه ثلاث سنوات. كما خصصت إحدى الواجهات لعرض مجموعة من الطوابع صدرت عام 1993 مع رسوم توضيحية شملت أربعة مساجد تاريخية في دولة قطر.