معرض "تصوير الطفولة": صغار مفرطون في جديّتهم

13 يونيو 2024
لوحة الفنان البريطاني وليام بروك (موقع المعرض)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المعرض "تصوير الطفولة" يقدم أعمالاً فنية من عصر النهضة وما بعدها، تعكس تطور أفكار الناس حول الهيئة المثالية للأطفال، من خلال اللوحات والمتعلقات التراثية التي تظهر الأطفال وملابسهم عبر العصور.
- يبرز التنوع في تصوير الأطفال من الوقار المفرط إلى العفوية، مع أعمال لفنانين مثل رافايل وفان دايك، تشير إلى تطور في النظرة إلى الطفولة من الصرامة إلى التعبير الأكثر حرية.
- يكشف المعرض عن تحيز في تمثيل الأطفال من الأسر الأرستقراطية مع إغفال للطبقات الأدنى والثقافات الأخرى، مما يسلط الضوء على الحاجة لمنظور أوسع يشمل تجارب متنوعة للطفولة.

كيف تطوّرت أفكار الناس حول الهيئة المثالية التي يجب أن يبدو عليها أطفالهم على مر العصور؟ سؤال يبدو طريفاً رغم صعوبته، إذ يدفعنا إلى البحث بين آلاف النصوص والروايات التاريخية والأدبية التي تتطرّق إلى الحديث عن الصغار. في سبيلنا للتقصي حول هذا الجانب، قد تختلط علينا الحقيقة بالأساطير والواقع بالأوهام، أو حتى قد يتداخل في بعضها الجد والهزل. هناك طريقة قد تكون آمنة للقيام بذلك، وهي أن نستعمل آلة الزمن، فحينها يمكننا أن نرى هيئة الصغار في حقب مختلفة، ونتعرف إلى أساليب البشر عبر العصور في التعامل مع أطفالهم. ولأننا لا نمتلك آلة للزمن بالطبع، فيمكن أن تتكفل الصورة بفعل ذلك، فهي أبلغ من آلاف الكلمات كما يُقال.

للصورة المرسومة حضور تاريخي بارز في كل الثقافات، ولا بد أن للصغار مكاناً في هذه الرسومات التي نحتفظ بها اليوم في متاحفنا. وعن طريق هذه الرسوم، يمكننا التعرف إلى هيئة الأطفال، والملابس التي كانوا يرتدونها في المناسبات، منذ مئات أو حتى آلاف السنوات.

هذه هي فكرة معرض "تصوير الطفولة" (Picturing Childhood) المستمر حتى السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل في المملكة المتحدة، ويسعى إلى تسليط الضوء على هذا الجانب الطريف في تاريخ الصورة، أو بالأحرى تاريخ الصغار. يُنظّم المعرض في أحد الأبنية التاريخية في الريف البريطاني، ويضمّ مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية التي تتشارك جميعها في الحضور اللافت للأطفال. جانب كبير من هذه الأعمال يعود إلى عصر النهضة الأوروبي، وبينها أعمال لرافايل وفان دايك. إلى جانب الأعمال الفنية، يضم المعرض أيضاً متعلقات تراثية وأثرية نادرة من القرنين السابع عشر والثامن عشر، كعربات ولعب الأطفال ومجموعة التعميد الملكية الفضية، وخطابات ومخطوطات قديمة تضم نصوصاً لها علاقة بتربية الأطفال.

بعض الأعمال التي يضمها معرض "تصوير الطفولة" قد تبدو مثيرةً إذا ما نظرنا إليها بعدسة الحاضر، فقد يُدهش بعضهم من هيئة الملابس التي يرتديها الصغار، أو التمثيل المُفرط للوقار على ملامحهم، وبعضهم قد لا يتجاوز الثلاثة أعوام. ولكن بعيداً عن هذه الاختلافات في هيئة الأطفال، يمكننا بالطبع أن نلمح السمات المُشتركة بين أطفال القرن السادس عشر أو السابع عشر وأطفال اليوم، من اللفتات العفوية والبريئة، إضافةً إلى السلوكيات المُعتادة في مواقف معينة.

في لوحة رسمها رفايل في بداية القرن السادس عشر، يطالعنا مشهد لامرأة تقرأ كتاباً لطفل صغير، وهو مشهد متكرر إلى اليوم ونابض بالحياة. ربما يمكننا تخيل الحوار الذي دار بين المرأة والطفل، وقد بدا الأخير عفوياً ومشتّتاً، يحدّق فينا ببراءة محببة. في المُقابل تطالعنا لوحة للرسام وليام بروك تعود إلى نفس الحقبة، يظهر فيها رجل وامرأتان وسبعة أطفال يجلسون جميعاً إلى طاولة الطعام. الأطفال في هذه اللوحة يفتقرون إلى العفوية المُعتادة، ويرتدون جميعاً أزياءً رسمية على اختلاف أعمارهم. بدا الأطفال السبعة كما لو كانوا بالغين ضئيلي الحجم، كما يتعمّدون افتعال تعبيرات جادة مثل الكبار.

الفنان الفلمنكي كورنيليس دي فوس هو أحد مصادر الإلهام لهذا المعرض، إذ كان معروفاً برسومه العائلية التي يظهر فيها الصغار. بين هذه الأعمال التي يضمها المعرض لدي فوس، ثمة لوحة لابنته الصغيرة ماغدالينا، وهي في كامل أناقتها. اللوحة هي أحد أهم أعمال المعرض، إذ تبرز براعة الفنان في تصوير الصغار، خلافاً للعديد من الفنانين الآخرين الذين لم يوفقوا في ضبط النسب المثالية للأطفال؛ ليظهر بعضهم أقرب إلى الأقزام.

من الأعمال البارزة أيضاً لوحة جوشواه رينولدز، أول رئيس للأكاديمية الملكية للفنون في لندن. يرسم رينولدز إحدى سيدات البلاط الملكي البريطاني وهي تداعب ابنتها الصغيرة في ودّ. بالمقارنة مع الأعمال الأخرى التي تقدم مظهراً أكثر صرامة للأطفال، تبدو صورة رينولدز طبيعية إلى حد كبير في تمثيلها للحركة، ويظهر نجاحه في ضبط النسب الطبيعية للصغار. على الرغم من الصياغة الجيدة لأعمال رينولدز، إلا أنه كان حريصاً طوال الوقت على إضفاء أجواء من الصرامة والجدية على المشهد، كغيره من فناني عصره.

بحلول القرن التاسع عشر، بدأ الفنانون الأوروبيون في تجاوز هذا الإطار الصارم عند رسمهم للأطفال، إذ يمكننا أن نرى صوراً لأطفال وهم يتفاعلون مع ذويهم ويبتسمون بعفوية تامة. تقول قيمة المعرض، غيل هارت، إن الفنانين هنا قد تأثروا بالآراء الفلسفية للمفكرين البارزين في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ومن بينهم جان جاك روسو. هؤلاء الفلاسفة نادوا بتحرير غريزة اللعب لدى الصغار وعدم قمعها.

ما يعيب معرض "تصوير الطفولة" بالطبع، كما هو ملاحظ، أنه يركز على حياة الأطفال المنتمين إلى أسر أوروبية أرستقراطية، فلا مكان هنا لأطفال الفقراء، كما لا يوجد تمثيل لثقافات أخرى خارج الإطار الغربي، وهو منظور أحادي لصورة الطفولة في العصور القديمة، والتي لا بُد أن لها تمثيلات أخرى مختلفة أو مُغايرة. ولكن على الرغم من اقتصار المعرض على الإرث البصري الأوروبي خلال الـ500 عام الماضية، إلا أنه دليل على القيمة التي يتمتع بها الفن كمستودع للثقافات البشرية ومرآة لأفكارنا وقناعاتنا.

المساهمون