أصدر النائب العام المصري حمادة الصاوي، اليوم الاثنين، بياناً أعلن فيه مشاركته إلى جانب وفد قضائي مصري في حفل استرداد الدولة المصرية جداريتين أثريتين في إحدى القضايا الدولية الهامة لنهب وتهريب الآثار، وهي القضية التي اتهم فيها مدير متحف اللوفر خلال العام الماضي، وذلك تلبيةً لدعوة السفير المصري في فرنسا علاء يوسف، لحضور الحفل في مقر السفارة بباريس.
وأقيمت الاحتفالية بدعوة من السفير المصري في باريس علاء يوسف، على هامش الزيارة الرسمية التي يجريها النائب العام المصري ووفد من مكتبه لبحث أوجه التعاون الدولي القضائي بين البلدين.
يأتي ذلك في ظل التحقيقات المشتركة التي يجريانها حول سلسلة من جرائم منظمة عابرة للحدود الوطنية، ارتكبتها جماعة دولية منظمة متعددة الجنسيات تضطلع بنهب وتهريب الآثار المصرية وغيرها عبر مختلف البلاد الأفريقية والأوروبية والآسيوية، والاتجار بها في أكثر من دولة في جميع أنحاء العالم على مدار سنوات عديدة، وبأساليب محكمة في التهريب وتزوير مستندات ملكية الآثار المدعى بها.
وتجري النيابة العامة المصرية تحقيقات مشتركة مع نظرائها الدوليين من جهات التحقيق في دول الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول، لملاحقة المتهمين بجرائم تهريب الآثار قضائيّاً، واسترداد الموجودات والآثار المصرية المنهوبة والمهربة إلى خارج البلاد.
ولفت البيان إلى أن زيارة النائب العام إلى العاصمة الفرنسية تأتي "تعزيزاً للتعاون القضائي المتبادل بين فريقي التحقيق المصري والفرنسي"، و"تأكيداً لإرادة النيابة العامة المصرية باستكمال التحقيقات المشتركة".
واعتبر أن ذلك سيكون له تأثير إيجابي على مختلف قضايا تهريب الآثار والاتجار بها، وأكد أن أهمية الزيارة تكمن في تعزيز التعاون القضائي بين البلدين، وتكثيفه خلال الفترة القادمة، لاسترداد باقي الآثار المصرية المرصودة بمختلف البلاد والثابت نهبها وتهريبها، وكذلك للعثور على باقي القطع المفقودة التي لم ترصد أماكنها بعد.
وكانت بعثة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية برئاسة عالم الآثار المصرية الفرنسي فاسييل دوبرييف قد اكتشفت، في عام 2001، مقبرة يزيد عمرها عن 4200 عام، في موقع تبة الجيش الأثري، جنوبي منطقة سقارة في محافظة الجيزة، وكانت تضم مقابر لأبرز كهنة الدولة المصرية القديمة، ومنهم هاو نفر، أحد النبلاء في عهد الملك بيبي الأول، ثالث ملوك الأسرة السادسة.
ومع انتهاء موسم الحفائر، توقف الفريق عن العمل عدّة أشهر، لكن عند عودته مرة ثانية في أكتوبر/ تشرين الأول 2002، تبيّن له فقدان الحجارة المزخرفة لواجهة مقصورة الكاهن المذكور، كما لوحظت كسور حديثة في إطار بابها، وفقدان أحجار واجهتي مقصورتين أخريين، ما أكد تعرضها للنهب في فترة توقف العمل.
بعد 10 سنوات، شاهد دوبرييف، خلال زيارته متحف الفنون الجميلة في العاصمة المجرية بودابست، 3 من القطع الحجرية المفقودة من المقبرة، تحمل جميعها تصويراً منقوشاً للكاهن هاو نفر. كذلك شاهد في توقيت مقارب بيع حجارة أخرى مماثلة في صالة للمزادات بالعاصمة الفرنسية.
ثمّ في العام التالي، شاهد مجموعة أخرى معروضة للبيع بذات الصالة، فأبلغ بالواقعة النيابة العامة المصرية وسلطات التحقيق الفرنسية، اللتين اتخذتا إجراءات التحقيق الموازية فيها.
وأكد العالم الفرنسي في شهادته أمام الجهتين أن القطع المنهوبة التي شاهدها في بودابست وباريس من نتاج الاكتشاف الذي توصلت إليه البعثة التي كان يرأسها، وأودع تقريراً مفصلاً قال فيه أنّه استخدم تقنية حديثة لإعادة بناء الأحجار افتراضياً على واجهة مقصورة مقبرة الكاهن، ليتبين تطابقها، وتوافق الكسور فيها مع نظيرتها بباب المقبرة، فضلاً عن مشابهة التطور الخطي للعلامات الهيروغليفية على الأحجار المباعة في باريس لمثيلتها المنقوشة داخل فناء مقصورة الكاهن.
وقد كشفت التحقيقات أنّ أحد المتهمين هو تاجر آثار ومدير أحد المعارض الشهيرة بباريس، وسبق له العمل خبيراً في هذا المجال لدى عدد من هيئات الجمارك، وأنه تمكن من تهريب القطع الموجودة في فرنسا والمجر، مدعياً أنه اشتراها من شخصٍ في سويسرا، الذي اشتراها بدوره من سيدة فرنسية في سبعينيات القرن العشرين.
وتبيّن كذب أقواله بعد ثبوت تزوير وثيقة البيع التي تحمل إمضاء السيدة المذكورة. كما تبين أنّ قسيمة شراء المتهم القطع المنهوبة من سويسرا تحمل خطأ في اسم البائع.
وعلى ضوء نتائج التحقيق، أوقفت السلطات الفرنسية المتهم، وتحفظت على عدد من المعلومات والبيانات والوثائق التي تدينه تمهيداً لتقديمه للمحاكمة.
وفي إطار التعاون الدولي القضائي بين البلدين، تلقت السفارة المصرية في فرنسا استدعاء من محكمة باريس لحضور جلسات نظر القضية بعد إحالة المتهم فيها للمحاكمة، باعتبار مصر من المتضررين فيها.
ووكّلت الدولة المصرية محامياً فرنسيّاً لتمثيلها في المحاكمة التي واجه فيها الخبير عدّة اتهامات، أهمها إخفاء قطع أثرية منهوبة على الأراضي الفرنسية مع علمه بأنها جاءت من سرقة وقعت في مصر، واستخدام مهنته تاجراً للتحف ومديراً لمعرض آثار في باريس لتسهيل عملية الإخفاء، وتزويره مستندات ملكية القطع المنهوبة باستخدام فواتير ومستندات مزورة.
وجرى تداول الدعوى بالجلسات، والتي ثبت فيها كذب ادعاءات المتهم ودفاعاته، كما ثبت العثور في حاسبه الآلي على نماذج للمستندات المزورة المشار إليها، وإقراره أمام المحكمة بعلاقته بأحد المتهمين في القضية الدولية المتهم فيها مدير متحف "اللوفر"، وأن المذكور قد اشترى القطعتين المنهوبتين من قبل.
وقضت المحكمة، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بملكية الدولة المصرية للقطع الأثرية المنهوبة، وإدانة المتهم وإلزامه بدفع غرامة وتعويض مالي للدولة المصرية، وأحقيتها في استرداد القطعتين.