على جدارية قاعة العرض في مركز خليل السكاكيني في مدينة رام الله، ارتفع العمل الفني الذي صمّمه الفنان البصري الشاب محمود الحاج من غزة، واضعا قربه تعليقاً: "في عملية تشبه إعادة تدوير، ممزوجة برغبة شديدة أن تكون صوراً أقسى ومُرة وعصية على الفهم، تُشبه مُكعباً إسمنتياً في مُنتصف طريق يمنعُ أجيالاً من المُضي قُدماً، أُترجم إحساسي الدائم بالماضي وأُظهر الانعكاسات المشوهة لهُويتي التي تشكّلت نتيجة العيش لعقود تحت سطوة تكنولوجيا صناعة العنف".
العمل الفني الذي حمل عنوان "مشهد غير طبيعي"، فاز بالجائزة الثالثة في معرض الربيع (جائزة سليمان منصور ونبيل عناني بالشراكة مع التجمع الفلسطيني للفنون البصرية).
ولفت الحاج في تعليقه: "يعتمد العمل على تفكيك وإعادة بناء أجزاء مُحددة من أرشيف العُنف الخاص بالاحتلال العسكري، وإخضاعها لعملية مُعالجة رقمية شديدة، كما لو أنني أستخدم ذات الأساليب التي يطبقها في ورشة سياساته الاستعمارية والمُمتدة لأجيال".
الحاج شدد على كونه يتعامل "مع الوسائط الفنية المختلفة، وأقوم بتنفيذ ما يدور في ذهني بأكثر من أسلوب فني باستخدام الرسم أو النحت أو فن الفيديو. لكن على مدار الأعوام الأربعة الماضية، تحوّلت إلى العمل مع الوسائط الرقمية حتى أتمكن من مواكبة التدفق الجنوني للأحداث والصور من حولي، ففي ظل هذا التدفق وكثافة المشاكل اليومية واختلاف طرق تعاملنا معها، أصبحت مغرماً بالعبث بالصور التي تعكس الأحداث التي لها تداعيات على سكان فلسطين، ولكنها فقدت بريقها في عيون المشاهدين".
وكانت لجنة تحكيم جائزة الربيع نسخة 2023 مؤلفة من: سليمان منصور، ونبيل عناني، وفيرا تماري، وعيسى غريب، والشدى الصفدي، وآلين خوري، ورنا عناني. ورأت اللجنة أن محمود الحاج من مواليد غزة نجح في عمله "مشهد غير طبيعي"، بتوظيف متقن لوسائط مختلفة (كولاج وصور فوتوغرافية وطباعة) معتمداً على أرشيف الحاكم العسكري.
وذهبت اللجنة، في بيانها، إلى أن الحاج عالج في هذا العمل صوراً جويّة لغزة معالجة رقمية دقيقة في محاولة لاستكشاف العلاقة ما بين عنف المستعمر وآليات الهيمنة على الجغرافيا الفلسطينية، مبرزاً المسافة ما بين عنف الآلة وحميمية المكان من خلال صور جوية مركبة، كما رأت اللجنة أن استخدام الكولاج والفن الرقمي في هذا العمل كان متفرداً، بحيث تمكن صاحبه من إيصال الفكرة بحرفية عالية.
وخلصت اللجنة إلى أن عمل "مشهد غير طبيعي" تميّز في استخدام تركيبات مبتكرة وتوظيف الأرشيف الرقمي والتعامل مع التفاصيل مما حقق تناغماً بصرياً عالياً.
وكان الحاج شارك في معرض "أورينت 02" في هولندا عام 2017، وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019 شارك في المعرض الجماعي "في الفراغ" بمقر "محترف شبابيك" في مدينة غزة، ومعرض "مقارنات تأملية" في مؤسسة عبد المحسن القطان بمدينة رام الله في العام نفسه، ومعرض "الفن في العزلة" بمعهد الدراسات الشرق أوسطية في واشنطن عام 2020.
لكن الحاج برز بمعرضه الشخصي الأول "402 من الرمادي" عام 2021، واحتضنته قاعة "محترف شبابيك"، وكان محوره جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، الذي هو "الشكل المادي للإغلاق، بينما الحصار يشكل الحالة المعنوية للإغلاق، ويترك أثراً على الجغرافيا، والإنسان، وحرية الحركة.. بالنسبة لي شكلت تجربة العزل ثلاثين عاماً داخل قطاع غزة، المصحوبة بعشرات محاولات الخروج الفاشلة، دافعاً لإيجاد طرق بديلة لرؤية العالم الخارجي، فكانت خرائط غوغل هي النافذة الوحيدة لصنع ذلك"، وفق ما أشار في كتيّب المعرض.
في مارس/ آذار 2023، حصل محمود الحاج على منحة إقامة في مدينة الفنون في باريس لثلاثة أشهر، عبر المركز الثقافي الفرنسي في غزة، ليعود إلى القطاع مجدداً مطلع الصيف، بعد أن قدّم عملاً فنيّاً بعنوان "عنف على مدار الساعة".
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
