استمع إلى الملخص
- **الصراع الدموي والمعضلة الأخلاقية**: يتناول الموسم صراعاً بين الفتيان وهوم لاندر، مع قرار استخدام فيروس لإبادة الأبطال الخارقين، مما يثير تساؤلات حول الفناء والنجاة.
- **الأسئلة الأخلاقية والذنب الجماعي**: المسلسل يطرح أسئلة أخلاقية حول تأثير العقاقير على العقل، مع صراعات حول الحفاظ على الإنسانية، حتى بالنسبة لابن هوم لاندر.
أخيراً، بثت شبكة أمازون برايم الموسم الرابع من مسلسل "الفتيان" (The Boys)، ذي الشعبية الكبيرة حالياً، لكسره الصورة النمطية عن الأبطال الخارقين، فهم مجرد مُنتَجٍ استهلاكيّ تستخدمه شركة عابرة للقارات للسيطرة على الجموع، وتُخلق حوله حكايات تلفزيونية لتخدير الجماهير بأكاذيب ترسم صورة البطل "النظيف" غير الملطخ بالدماء.
في هذا الموسم، من دون الخوض في التفاصيل، نرى أنفسنا أمام لوثة الأبطال الخارقين تلك التي تمس "الجميع"، كون التحول إلى بطل خارق عبر العقاقير يضرب دماغ "المُتعاطي" ويهدد جسده، هذا إن نجا من أثر العقاقير المميت، بل قد يجعله العقار وحشاً، كما يحدث في المسلسل، في حين يكتفي بعضهم بإخفاء "القدرة الخارقة". سر لا بد أن ينكشف في لحظة ما، فصيغة "الأقلية" التي يحاول الأبطال الخارقون تنفيذها لا يمكن أن تنجح إن كان من يترأس هذه الحركة نازياً.
الصراع في هذا الموسم شديد الدموية (كالعادة)، لكن الصفوف تغيرت؛ فالنازي هوم لاندر، يريد الاستحواذ على الحكم، حكم الولايات المتحدة الأميركية ثم العالم. في حين أنّ الفتيان، وعلى رغم المشاكل التي بينهم، قرّروا الوقوف في وجهه، لكن هذه المرة عبر دواء سري يتمثّل بفيروس قادر على الانتشار في كل أنحاء العالم، والقضاء على كل الأبطال الخارقين، "الأعداء" منهم و"الأصدقاء"، أي "إبادة جماعية للأبطال الخارقين" في العالم.
يطرح المسلسل معضلة أخلاقية: هل نقضي على كل الأبطال الخارقين لضمان نجاة العاديين؟ بعض الأبطال الخارقين مجانين وعنيفون، والأهم أن أشدهم قوّة نازي لا يتردد في فرض تفوقه، في حين أن "اليسار" أيضاً يحوي أبطالاً خارقين، ونقصد هنا ستار لايت ومؤيديها. ضمن هذا الصراع، ترن عبارة مرعبة في آذاننا بينما نشاهد: "لا قيمة للإبادة الجماعية بين الأصدقاء". عبارة كهذه لا يمكن لنا تجاهلها في زمننا الحالي، إذ نشهد إبادة جماعية في قطاع غزّة، ضحيتها الفلسطينيون، برعاية صديقين (أميركا وإسرائيل).
خيار إبادة أو لا إبادة يدخل "الفتيان" في صراع، خصوصاً أن لا أحد يرغب فيها، مع ذلك تبدو حلاً منطقياً مع توحش هوم لاندر المتزايد، ومخططه الرهيب لخلق "عالم جديد"، لنرى أنفسنا أمام جدل بين الفناء والنجاة. جدل يتصاعد مع كل حلقة، مع هوس هوم لاندر وفريقه يوماً بعد يوم بالسلطة، ورغبته في توريث ابنه. مع ذلك، لا يحسم الصراع بـ"القتل" بسبب السياسة، التي تكبل الأطراف كلها. السياسة هنا، وللمفارقة، تظهر بمثابة عامل لجم للقوى الخارقة، تلك التي تتحرك سرّاً، كون تطبيقها علناً يعني فزعاً عالمياً.
يتركنا "الفتيان" أمام كثير من الأسئلة الأخلاقية التي لا يحاول الإجابة عنها، لكن ما نتيقن منه، أن العقار الذي يصنع بطلاً خارقاً، أمر شديد السوء، ويهدّد العقل والعقلانيّة، فلا خير فيه، وكأنه يعمي البصيرة. وهنا تظهر المقارنة مع سوبرمان مثلاً، فهو طيب القلب لأنه كائن فضائي، وليس بشرياً. في حين أن هالك، يبدو المثال الأوضح على التجربة العلميّة حين تسوء، ليتحوّل الإنسان إلى وحش لا بد من ترويضه. وأحياناً، تُصنع نسخة مفرطة في إنسانيتها، ككابتن أميركا. كل هذا يدمره "الفتيان"؛ لأنه، ببساطة، لا يجوز لقوة خارقة أن تكون في يد البشر، لأنها كأي قوّة، ستفسد صاحبها.
هناك ذنب يلتهم الجميع. كل شخصيات المسلسل، "الأصدقاء" و"الأعداء"، لكل واحد منهم ذنب يحمله يحاول التكفير عنه، وكلها ذنوب مرتبطة بالقتل، الضروري في بعض الأحيان، وهذا ما يخلق نوعاً من الصراع في المسلسل، فـ"الجميع يقتل"في عالم الأبطال الخارقين القذر، ويتلوث الجميع، فمن يقدر على الحفاظ على "إنسانيته"؟
نطرح هذا السؤال لأنّه حتى ابن هوم لاندر، البريء بداية، والذي يحرّك أصل الصراع، يصبح موضع شكّ: هل تنتصر طبيعته "الخارقة" أم تعاطفه الإنساني؟