مسلسل "بنت باب الله"... مقاربة الواقع المغربي ببساطة

04 ابريل 2022
تشارك الممثلة المغربية دنيا بوطازوت في بطولة المسلسل (فيسبوك)
+ الخط -

تُعرف مخرجة المسلسل المغربيّ القصير "بنت باب الله" فاطمة بوبكدي، بكونها من أبرز المخرجات اللواتي اشتغلن على الدراما التراثية، باعتبارها ملاذاً جمالياً تتوسّله المُخرجة لإضاءة معالم الطريق صوب حداثة بصريّة، لا تقف أمام ركام الموضوعات المُتكرّرة داخل التلفزيون العمومي، مُتجاوزة بذلك أزمة الشكل الدرامي، من خلال جعل الصورة تنفتح على آفاقٍ بصريّة مُتخيّلة أكثر التصاقاً بالتاريخ الشعبي المغربيّ. 
وعلى الرغم من كون هذه الدراما لا تُحقّق داخل "بنت باب الله" أيّ أبعادٍ فنّية وجماليّة بالنّظر إلى طبيعة النصّ الدرامي، فإنّها حظيت بتقديرٍ كبيرٍ من المُشاهد. والسبب تتحكّم فيه نوازعٌ أنثروبولوجية وتاريخيّة أكثر منها فنّية وجماليّة، بحكم العلاقة القويّة التي تربط المغاربة بذاكرتهم التاريخيّة ومُتخيّلهم الشعبي. بحيث يجدون في هذا النوع الدرامي استمراراً لتاريخهم وقصصهم وحكاياتهم. 
كما أنّ التلفزيون الرسميّ، يجد في هذه الدراما التراثية إقبالاً كبيراً. أوّلاً بحكم التلقّي المُذهل الذي تعرفه، ما يجعلها تُحقّق أرباحاً كاسحة تفوق في أحيانٍ كثيرةٍ ميزانية المسلسل. إذْ تُسجّل الكثير من التقارير الفنّية أنّ دراما التراث في المغرب أضحت أشبه بـ"الجوكر" بالنسبة للتلفزيون المغربيّ، فهي ما تمنحه طاقة للاستمرار وإعادة إنتاج نفس الحكايات وفق قالبٍ بصريّ مغايرٍ. أمّا الجانب الثاني، فيتمثّل في أنَّ هذا الوسيط البصريّ لا يجد أيّ مشاكل نقدية قد تُعيق عمل التلفزيون في علاقته بالسُلطة المركزيّة، لما أضحت تعمل عليه بعض التجارب الجديدة من خلخلة المألوف الدرامي على مستوى تخييل الواقع وتقديم نقدٍ بصريّ مُبطّن للسُلطة.
تسرد فاطمة بوبكدي في "بنت باب الله" حكاية امرأة مغربيّة (دنيا بوطازوت) تبحث عن زوجها. لكنْ، في هذه الرحلة تأخذها بوبكدي إلى عوالم كوميدية مألوفة عند المُشاهد المغربيّ، مع أنّها ما تزال تخلق دهشة حقيقية في جسده وتدفعه إلى تكثيف مُشاهداته. وأغلب هذه المادّة الكوميدية تجد منبعها داخل التراث الشعبيّ، سواء على مُستوى الشخصيات وذكائها وحيلها في الكذب وتصميم المكائد والخروج من ببراعة، أو من جانب المُعجم الدرامي الذي تستخدمه فاطمة بوبكدي في كتابتها للمسلسل. وهي حيّلٌ بصريّة تبدو ناجحة في سيرها، لأنّها تعتمد نفس التوابل الدرامية في استهداف شرائح كبيرة من المغاربة من خلال نصّ درامي قريب من تفكيرهم ومَشاغلهم وهواجسهم. فشخصية بطلة المسلسل لا تختلف من ناحية الكتابة ودلالاتها في المخيال الشعبي المغربيّ عن شخصية مسلسل "حديدان"(المخرجة نفسها). لذلك تُعاود فاطمة بوبكدي في مسلسلها القصير هذا إعادة إنتاج نفس جزء من الشخصية الأخرى، رغم أنّها نفسها تتكرّر من حكايةِ شعبيّة إلى أخرى في تاريخ الحكاية المغربيّة.

التراث يحضر في العمل بوصفه مجرد نص وحكاية وإكسسوار

إلّا أنّ لمسة بوبكدي المُذهلة في "بنت باب الله" تكمن أساساً في القدرة على التخفّف من دراما التراث. فهذا الأخير، يحضر في المسلسل بوصفه مجرّد نصّ وحكاية وإكسسوار، أمّا الصورة فإنّها تأخذ طابعاً معاصراً من خلال جعلها تطرق العديد من القضايا والإشكالات ذات الارتباط الوثيق بالواقع المغربيّ الآن وتحوّلاته الاجتماعية. تُدهشها بوبكدي في مسار هذه الرحلة الدرامية، إذْ تخلق لنا شخصية قريبة من اجتماعنا وتتميّز بنوعٍ من الاشتغال على مُستوى التأليف، لما تُضمره الحوارات من مُعجمٍ تراثي بدا في طريقه إلى التلاشي والاندثار، أمام موجات الاستلاب التقني ومآزق العولمة التي عملت جاهدة على طمس هويّة الشعوب الأخرى وتحويلها إلى مجرّد ذاكرة مثقلة بالحنين.

جمالياً، لا يُمكن الادّعاء بهشاشة المسلسل، لأنّ صُوَره مُتناسقة وموغلة في الواقع وتبدّلاته. ما يُبرّر اختيار فاطمة بوبكدي لثيمة التراث الشعبي داخل أعمالها الدرامية وإعادة نفض الغبار عن هذا الموروث الرمزي وإعادة الاشتغال على قصصه وحكاياته بطريقة معاصرة تنتقد التاريخ وتتطلّع بعنفوان إلى تثمينه وإعادة كتابته ثمّ تخييله بصرياً ودرامياً. في مقابل نماذج درامية مغربيّة أخرى، حوّلت الدراما التراثية إلى بضاعة تجارية همّها الوحيد دغدغة مَشاعر الناس وإمطارهم بسيلٍ من المَشاهد الكوميدية التقليدية. وهي مسلسلاتٌ درامية غدت تُمارس سحراً غريباً على التلفزيون العمومي وتجعله يقبل بشكلٍ مُكثّف على إنتاج هذا النوع من الدراما، التي تُعدّ فاطمة بوبكدي أبرز من اهتم به جمالياً وفنّياً، ورافقت سيرته المُتخيّلة داخل التلفزيون الرسميّ لسنوات من العمل والاجتهاد. 
على هذا الأساس، ليس غريباً أنْ نعثر على لجان الإنتاج التلفزيوني، حين تجد نفسها محاصرة بمسلسلاتٍ تطرح أسئلة الالتزام والنقد وحرّية التعبير، مدعوّة إلى نبذها وإقصائها. مقارنة بدراما التراث، التي تجعلها في موقع قوّة بصريّة وتلفزيونية. لكنْ، بقدر ما تشتغل دراما التراث كمفهومٍ مركزيّ قويّ في سيرة "بنت باب الله"، يعتبر بعضهم أنّ اختياراً كهذا، قد يُضمر في طيّاته سؤالاً كبيراً يتعلّق بجدوى إقامة هذا السفر البصري صوب هذا الماضي السحيق، أمام ما يحبل به الواقع المغربيّ من أهوالٍ وتناقضاتٍ وأعطاب. لذلك لن ندّعي بأنّ "بنت باب الله" دراما تراثية محضة، لكنّها تندرج ضمن هذا النوع الدرامي المُتخفّف والجميل والمُتشابك مع مفهوم الواقع والمطبوع بالتراث على مستوى التأليف، مع أنّ تفاصيل الصورة وإكسسواراتها التاريخيّة تظلّ على حالها، مقارنة بأعمال بوبكدي التلفزيونية الأخرى.

المساهمون