مسلسلات رمضان... تحقيقات بسبب فساد بشركة المخابرات وتامر مرسي ينتظر الإطاحة
استُغلّ حفل نقل المومياوات بهدف تخريب عدة مشاريع درامية (Getty)
أكدت مصادر من داخل "المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية" المملوكة للمخابرات العامة في مصر، أن لجنة مشكلة من جهات سيادية، فحصت كل ملفات المجموعة التي يرأسها تامر مرسي، وخاصة شركة "سينرجي" للإنتاج الفني، لوجود "شبهة إهدار مال عام" في الأعمال الدرامية التي تم إنتاجها في رمضان بواسطة الشركة، وأعمال أخرى توقف إنتاجها.
وأشارت المصادر إلى أنه خلال الساعات الأخيرة، تم القبض على حسام شوقي المشرف العام على الإنتاج الدرامي، والمدير المالي أحمد وجيه، بتهمة إهدار مال عام قيمته 800 مليون جنيه بمعاونة الكاتب يسري الفخراني، وأكدت أنه تمت إطاحة تامر مرسي من منصبه وأنه معرض للاعتقال. وبحسب المصادر، فإن من الاتهامات الرئيسية التي تُحقق فيها المخابرات العامة في هذا الملف، تخطي تامر مرسي ومساعديه والموظفين الإداريين لديهم حدود مهامهم المتفق عليها، والتربح وإيهام الدولة بسداد مستحقات الفنانين.
ومن المتداول حاليا في أوساط الفنانين المتعاملين مع الشركة، أن تامر مرسي سيقتصر دوره في الفترة المقبلة على رئاسة سينرجي، إذا لم تستدع الظروف القبض عليه، على أن يتم تغيير مجلس إدارة المتحدة بصورة شبه كاملة، ليضم المصرفي حسن عبدالله، ورجل الأعمال والمنتج الفني كامل أبو علي، والمنتج الفني محمد السعدي المشرف، على حفل نقل المومياوات الملكية مؤخرا، ومنتج اثنين من مسلسلات شهر رمضان الماضي.
لكن عددا من المنتجين الفنيين والفنانين، نشروا على صفحاتهم الخاصة تدوينات تعبر عن سعادتهم بمحاسبة "الفاسدين" وحنقهم على طريقة إدارة الوسط الفني في السنوات السابقة، فيما أبدى بعضهم تشاؤمه من التغيير "الظاهري" لشخصيات لا تعدو كونها واجهات للأجهزة. وجاء أبرز تعليق من أسامة الشيخ، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الحكومي سابقا، الذي كتب: "سألتكم من حوالي أسبوع إن كنتم تشمون ما أشم؟ عندما تساءلت عما يصدح في الغيب. أتصور أن دخان الحريق اقترب من أنوفكم وأن رائحة الفساد والظلم سوف تزكم أنوفكم. قريبا...قريبا... مافيش كبير في مصر السيسي على الحساب".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، كشفت "العربي الجديد" شن المخابرات العامة والأمانة العامة لوزارة الدفاع، حملة مراجعة دقيقة لجميع حسابات المشروعات الاستثمارية التي أقيمت بأموال المخابرات والجيش خلال العامين الماضيين، خلف واجهات مدنية كان قوامها ضباطا سابقين بالجيش والمخابرات والشرطة، أو أفراد أسرهم، وذلك بتعليمات صدرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من رئاسة الجمهورية، بعد تلقيها تقريرا باكتشاف مخالفات بالجملة في عدد كبير من المشروعات التي أقيمت مؤخرا على هامش مشروعات كبرى ينفذها الجيش ممثلا في الهيئة الهندسية وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية.
وقبلها في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ألقي القبض على رجل الأعمال وضابط المخابرات السابق ياسر سليم، الذي كان من الشخصيات الفاعلة في عملية سيطرة المخابرات العامة على الصحف والقنوات الفضائية في مصر، تتضاءل بشدة أمام حجم المبالغ المالية والمخالفات المكتشفة في الحملة الأخيرة. وفي ذلك الوقت، نشرت المواقع المملوكة للمخابرات والموالية للنظام بصياغة موحّدة أن سبب إلقاء القبض على سليم هو "اتهامه بإصدار شيكات من دون رصيد للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"؛ فضلاً عن نشر صورة مهينة له في سيارة "ميكروباص"، وبجانبه عنصران أمنيان غير واضح ما إذا كانا تابعين للشرطة أو جهاز آخر.
وكان سليم قد أبعد سراً عن منصبه كنائب لمجموعة إعلام المصريين في صيف 2019 في إطار حركة "إعادة هيكلة" للمجموعة وشركات الدعاية والقنوات والصحف التابعة لها؛ وبمعنى أوضح، تم إبعاد ياسر سليم عن ممارسة دوره كواجهة لإدارة أموال المخابرات وشخصيات كبيرة بالنظام، وهو الدور الذي أجاد لعبه، على شاكلة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة. الذي أُبعد لفترة ثم سُمح له بالظهور مرة أخرى وبخوض انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة وتدعيم بعض وسائل الإعلام.
وقالت المصادر -التي تفضل عدم نشر هوياتها- لـ"العربي الجديد" إن اللجنة المشكلة فتحت ملف مسلسل "خالد بن الوليد"، بطولة عمرو يوسف، والذي بدأ التصوير فيه بالفعل مطلع العام 2020، لكن الخلافات بين بطل العمل والمخرج رؤوف عبد العزيز الذي يرتبط بصلة قرابة لرئيس المجموعة المتحدة، تامر مرسي، وصلت لحد الشتم، فتوقف المسلسل، وحاول تامر حل الأزمة ففكر في إسناد البطولة لياسر جلال، الذي وافق تحت ضغط، وذهب لزميله عمرو يوسف ليستأذنه، لكنه سرعان ما تراجع ورفض المشاركة بالعمل. وقال في تصريحات صحافية: لم أتردد في الموافقة على "سيف الله"، حينما حدثتني الجهة المنتجة بشأنه، لأن تجسيد رمز إسلامي بقيمة وحجم خالد بن الوليد شرف لأي ممثل ومسؤولية في الوقت نفسه، ومن هذا المنطلق شعرت بتخوف بعد مطالعتي للحلقات المكتوبة، إذ وجدت أنني بصدد عمل درامي كبير يحتاج لتحضيرات مكثفة واستعدادات خاصة، بخاصة أن كل حلقة لا تخلو من وجود معارك حربية وما إلى ذلك. وتابع: لمست حاجتي إلى إجراء تحضيرات بدنية مكثفة، والتدرب على ركوب الخيل بشكل احترافي، لأنني لا أهوى الاستعانة ببديل. وفضل جلال بعدها تقديم مسلسل اجتماعي وهو "ضل راجل" الذي عرض في رمضان الفائت.
وتوقف تصوير مسلسل "سيف الله خالد بن الواليد" التاريخي بطولة الفنان عمرو يوسف، العام الماضي، والذي يجسد فيه شخصية الصحابي الجليل خالد بن الوليد، بعد أن طرح البوستر الرسمي له، عقب تصوير عدد من المشاهد في الأردن. وأسندت شركة سينرجي برئاسة تامر مرسي، تنفيذ المسلسل لشركة "كودكس" المملوكة لقريبه المخرج رؤوف عبدالعزيز لتصوير العمل على أن يتم عرضه في موسم رمضان 2020، ورشح للعمل أكثر من بطل مثل مصطفى شعبان وخالد النبوي وهاني سلامة، ولكن في النهاية تم إسناد الدور للفنان عمرو يوسف، الذي وضع شروطا إنتاجية كبيرة، حتى يخرج العمل بشكل يضاهي الأعمال التاريخية الأخرى مثل "ممالك النار" و"خالد بن الوليد" النسخة السورية.
وبحسب المصادر فقد تمت الموافقة على طلبات عمرو يوسف من الشركة المنتجة، ومن المخرج رؤوف عبدالعزيز، لكن المشاكل بدأت تظهر بعد ذلك بين الرجلين، وكلها خاصة بالإنتاج، مثل عدم توافر أعداد كبيرة من الخيل والكومبارس، ما جعل عمرو يوسف يتوقف عن استكمال تصوير المسلسل، وإبلاغ المخرج بأنه لن يستمر في العمل لأنه لم ينفذ الشروط التي وضعها من البداية.
أما الملف الثاني الذي قررت اللجنة فتحه؛ فهو الخاص بمسلسل "الملك"، الذي كشفت المصادر أنه تم إهدار 55 مليون جنيه مصري فيه قبل أن تعلن الشركة وقف تصويره. وفي أبريل/نيسان الماضي أعلنت الشركة المنتجة لمسلسل الملك أحمس، بطولة الفنان عمرو يوسف، وقف تصوير الحلقات المتبقية، وكانت تلك هي المرة الثانية وللعام الثاني على التوالي وخلال فترة التصوير يتم وقف مسلسل من مسلسلات "المتحدة"، وهو من بطولة عمرو يوسف أيضاً.
وأعلنت الشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية"، التابعة للمخابرات المصرية، وقف مسلسل "الملك" الذي يتناول قصة الملك أحمس، بعد حملة السخرية الكبيرة، على مواقع التواصل الاجتماعي، من الأخطاء التاريخية التي وردت في الـ"برومو" الرسمي للمسلسل، الذي كان من المقرر عرضه في رمضان الماضي. وقال بيان للشركة آنذاك، إنه تقرر "تشكيل لجنة عاجلة من مجموعة من المتخصصين في التاريخ والآثار وعلوم الاجتماع، وذلك لمشاهدة المسلسل ومراجعة السيناريو كاملاً، وإبداء الرأي بموضوعية ومهنية، حتى لو ترتب على ذلك عدم عرضه في رمضان القادم".
وأفادت مصادر من داخل الشركة، لـ"العربي الجديد"، بأن عملية تصوير العمل كانت في مراحلها الأخيرة، وتبقى أسبوعان من التصوير فقط على الانتهاء من المسلسل. وواجه مسلسل "الملك" حول الفرعون أحمس انتقادات حادة من خبراء آثار ومتابعين، بعدما نشر الرئيس التنفيذي في شركة "سينرجي للإنتاج الفني" التابعة للاستخبارات العامة المصرية، تامر مرسي، الفيديو الترويجي للعمل عبر حسابه على موقع تويتر، إلا أن قرار الإيقاف جاء بعد تدخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إذ قال مصدر مطلع داخل الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، المالكة لشركة "سينرجي" منتجة العمل، إن الرئيس طلب مشاهدة الحلقات الأولى من العمل.
وأكد المصدر أن وزير السياحة والآثار المصري خالد العناني استغل وجوده مع السيسي، في أثناء الاحتفال بنقل المومياوات من المتحف المصري بميدان التحرير إلى متحف الحضارة بالفسطاط، وطالبه بالتدخل لوقف عرض المسلسل. وقال المصدر الذي يفضل عدم نشر اسمه، لـ"العربي الجديد، إن "وزير الآثار تدخل في الموضوع بشكل مباشر وبطلب رسمي، وقال للرئيس إن ذلك لا يليق بصورة مصر"، وقالت المصادر من داخل المجموعة المتحدة، إن قرار السيسي أربك تامر مرسي خصوصا بعد أن أعلن مدير جهاز المخابرات اللواء عباس كامل عن غصبه وهو ما جعل مرسي ومساعده حسام صالح يبتعدان لفترة في دبي، ويتردد أن الثاني أسس شركة خاصة في دبي كباب خروج في حالة الطوارئ في حال لم تسر الأمور لصالحه.
ملف آخر، قالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن اللجنة المشكلة بمعرفة جهاز المخابرات المصرية ستفتحه هو الملف الخاص بمسلسل "نسل الأغراب"، والذي تخطت ميزانيته 100 مليون جنيه، واعتبره المسؤولون إهداراً للمال العام. وقالت المصادر إن مخرج العمل محمد سامي، تجاوز في الميزانية، بسبب التعديلات التي أدخلها على السيناريو، لصالح بطلة العمل -زوجته مي عمر-، وهو ما أغضب نجمي العمل الآخرين، أحمد السقا وأمير كرارة. وأضافت المصادر أنه في الإطار عقدت جلسة حضرها تامر مرسي رئيس المجموعة "المتحدة"، والمشرف العام على الإنتاج الدرامي بالشركة حسام شوقي، والمتحدث الرسمي باسم المجموعة حسام صالح، وأحد نجوم العمل، الذي كان يشتكي فيها من ممارسات المخرج أثناء تصوير عدد من المشاهد، فقال مرسي "واضح إننا ربينا وحش" فرد صالح "نقتله"، وبعدها مباشرة تم الإعلان عن وقف التعامل مع المخرج محمد سامي من قبل المجموعة. وبحسب المصادر، فإن الفنان أمير كرارة، يتمتع أيضاً بعلاقة صداقة قوية مع أسرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وأشارت المعلومات التي أكدتها المصادر إلى اتجاه المسؤولين بجهاز المخابرات العامة الذي يرأسه مدير مكتب السيسي السابق، اللواء عباس كامل، لتعيين مسؤول اقتصادي يشرف على عمل تامر مرسي في "المتحدة للخدمات الإعلامية". ولفتت المصادر إلى أن "المتحدة" تابعة لفرع "مصر داخل ما يسمى بـ"المجموعة الاقتصادية" للمخابرات العامة، والتي تتشكل من فرعين الأول تحت اسم "وادي النيل" والذي تتبعه شركات المقاولات والعقارات ومستشفى "وادي النيل" والفرع الآخر تحت اسم "مصر" والذي تتبعه "المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، وشركات اقتصادية أخرى منها مصنع المستنسخات الأثرية الذي تم افتتاحه مؤخراً. وأضافت المصادر أن المجموعة الاقتصادية المملوكة للمخابرات العامة تشرف عليها إحدى وكلاء الجهاز ومعروفة باسم "المرأة الحديدية".