مسلة حتشبسوت... إحياء التحفة الراقدة

27 ابريل 2022
عدد المسلات المصرية يزيد عن 100 مسلة (Getty)
+ الخط -

نجحت بعثة أثرية مصرية، أخيراً، في ترميم مسلة حتشبسوت الراقدة على ضفاف البحيرة المقدسة في معبد الكرنك منذ قرون طويلة، ثم أُعيد نصب المسلة مرة أخرى بالقرب من المعبد الكرنك، بعد أن شُيّدت لها قاعدة خرسانية لحمايتها من المياه الجوفية، مع تجهيز مادة عازلة توضع أسفلها حتى لا تتأثر بعد نصبها، ووفقاً لأثريين فإن هذه المسلة قد سقطت بعد تعرض مصر لزلزال مدمر منذ قرون عدة.

يعود تاريخ المسلة إلى حوالي 3500 سنة مضت، وهي عبارة عن عمود حجري نحيف منحوت من حجر الغرانيت الوردي، له أربعة جوانب وينتهي برأس هرمي صغير، ويبلغ طوله حوالي 11 متراً ووزنه 90 طناً. والمسلة مُزينة بنقوش تصوّر الملكة حتشبسوت وتصف علاقتها بالمعبود الفرعوني آمون، وبعض المعلومات الأخرى. وكانت بقايا المسلة قد تُركت بعد سقوطها فوق الرديم المتراكم فوق أحد المعابد التي شيّدها تحتمس الأول بالقرب من بحيرة الكرنك، إلى أن قام عالم الآثار الفرنسي جورج ليجران (1865-1917) في مطلع القرن الـ 20 بتحريك الجزء العلوي منها، ووضعها راقدة في مكانها الحالي قرب البحيرة المقدسة، ليتمكن من إزالة الرديم الذي يغطي أعمدة وتماثيل وجدران هذا الجزء من المعبد.

تنسب المسلة إلى الملكة حتشبسوت (الأسرة 18) التي حكمت مصر في الفترة من 1479 إلى 1458 قبل الميلاد بعد وفاة زوجها تحتمس الثاني، وقد امتاز عصرها بالرفاهية والسلام والعلاقات الحسنة مع البلاد المجاورة ونشاط حركة التجارة الدولية بين مصر وشرقي أفريقيا والهند.

وهذه المسلة واحدة من مسلتين لنفس الملكة، إحداهما لا تزال منتصبة أمام معبد الكرنك إلى جوار مسلة تحتمس الأول والد الملكة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان لحتشبسوت مشروع لإقامة أكبر مسلة فرعونية، مكونة من قطعة واحدة من حجر الغرانيت تزن أكثر من ألف طن لوضعها في معبد الكرنك، لكن المهندسين المصريين القدماء تركوها في مكانها بمحجر أسوان قبل إكمال العمل في نحتها، بعدما اكتشفوا فيها شرخاً يحول دون استخدامها، وهي المشهورة حالياً باسم المسلة الناقصة. وكانت جميع المسلات تُنحت في محاجرها في أسوان وتنقل في مراكب عبر النيل إلى الأقصر، مثل مسلتي حتشبسوت، أو إلى غيرها من الأماكن التي يقرر الحكام إقامتها بها.

في كتابه "العمارة في مصر القديمة" يقول الدكتور محمد شكري إن من النصوص التي نعرفها من عهد حتشبسوت ما يشير إلى مسلة طولها 108 أذرع، أي 56.7 متراً، وقد سجلت في أسفل مسلتها القائمة في الكرنك في نص طويل أنها لم تكن تنام الليل من أجل معبد آمون رع، وأن تفكيرها هداها إلى إقامة مسلتين من خليط الذهب والفضة، وأن نحتهما في الجبل استغرق سبعة شهور، وأن كلاً منهما من قطعة من غرانيت خالد، ليس فيها شق أو وصلة. ويشير شكري في كتابه الصادر في ستينيات القرن الماضي إلى المسلة التي أقيمت أخيراً هوت على الأرض وتهشمت، ولا يزال جزء كبير من أعلاها يرى بجانب البحيرة المقدسة.

والمسلات تقليد مصري قديم، وكانت العادة أن توضع مسلتان أمام المعبد، كأنهما حارستان له، والمسلة في تصور المصريين القدماء رمز مقدس تقدم له القرابين، وكانت تنحت على جوانبها الأربعة وعلى قاعدتها كتابات هيروغليفية تذكارية ورسومات ملكية ودينية.

يذكر أن عدد المسلات المصرية يزيد عن 100 مسلة، لكن رحلةً طويلة من نهب الآثار المصرية أو التفريط فيها بإهدائها جعل مصر لا تحتفظ إلا بعد قليل جداً منها، فلا يوجد منها في مصر الآن بعد نصب مسلة حتشبسوت الأخيرة سوى ست مسلات، أما الخمس الأخرى فتوجد ثلاث منها في الأقصر، هي مسلة حتشبسوت في معبد الكرنك ويبلغ طولها 29.56 متراً، ومسلة تحتمس الأول في معبد الكرنك وارتفاعها 19.90 متراً، ومسلة رمسيس الثاني في معبد الأقصر وارتفاعها 25 متراً، كما توجد مسلتان في القاهرة هما مسلة سنوسرت الأول في المطرية وارتفاعها 20.41 متراً، ومسلة سيتي الأول في الزمالك وارتفاعها 16.5 متراً. 

المساهمون