مسرحية "ريحة العنبر"... تداعيات تفجير بيروت في اجتماع زوم

29 ديسمبر 2022
تستذكر المسرحية الضحايا من أبناء الجنسيات غير اللبنانية (إيدي شويري)
+ الخط -

عُرضت مسرحية "ريحة العنبر" على خشبة دوار الشمس (بيروت) في 20 ديسمبر/ كانون الأول لمرة ثانية. وكانت قد عرضت للمرة الأولى في27 نوفمبر/ تشرين الثاني، ضمن مهرجان أرصفة زقاق.
لم يُعلَن هذا العرض المسرحي بشكل واسع، على الأقل ليس على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت مرجعاً لأجندة الأعمال والعروض الفنية والثقافية عموماً. وبما أن العمل عُرض مرتين فقط حتى الآن، فلم يُسمع الكثير عنه. وعليه، فإن من حضره كان يهدف إلى مشاهدة عمل لمخرج "ريحة العنبر"، عصام بو خالد (مع سرمد لويس)، الذي يعود بعد خمس سنوات، إذ قدّم في 2017 مسرحية بعنوان "مأساتي".
بدأ العرض على المسرح مع الممثلة برنديت حديب (تلعب دور ممثلة)، جالسة إلى يمين المسرح خلف مكتب، وأمامها لابتوب. في الوقت نفسه، نراها على شاشة كبيرة معلقة كـ Back drop، وتنقل ما يظهر بكاميرا اللابتوب المصوَّب نحو برناديت، وهي تستعد لما يتبين لنا أنه اجتماع على تطبيق زوم.
ينقسم العرض إلى جزأين: الأول يأخذ من الشاشة مسرحاً له، والثاني على خشبة المسرح نفسها، بعد أن ينتقل ثلاثة ممثلين من الشاشة إلى المسرح، لينضموا إلى برناديت التي لم تُنادها أيّ من الشخصيات بأيِّ اسم، ولكن كل الشخصيات التي ذُكرت أسماؤها كانت تستخدم أسماءها الحقيقية، ما يعطينا فكرة أن شخصيات العرض تلعب دورها الحقيقي في هذا العمل الذي تناول موضوع تفجير الرابع من آب، وقصة العمل عن الاجتماع الذي عقدته الممثلة والناشطة لجمع تبرعات من أجل مساعدة ضحايا التفجير.
من خلال هذا الاجتماع الذي يحضره على الشاشة بعض ضحايا التفجير، تتناول "ريحة العنبر" محاولات الطفيليين وراكبي موجة المصائب لشحذ المعونات باسم الإنسانية، وتحديداً ضحايا تفجير الرابع من آب، وكذلك أبناء انتفاضة 17 تشرين، التي تطرّق إليها العرض أيضاً، من خلال أحد مصابي الثامن من آب، حين مارست القوى الأمنية بطشها مع المتظاهرين الغاضبين، وقلعت عيون العشرات منهم.
إحدى شخصيات العرض تمثل ضحية، نفهم من خلال مداخلتها أنها فارقت الحياة وتشارك في الاجتماع من العالم الآخر، وكانت من فريق الإطفاء الذي لاقى جميع عناصره حتفهم في التفجير، بعد أن طُلبوا لإطفاء ما كان يُظن أنه حريق. وفي مداخلة لها، تقاطع حديث الممثلة التي تدير هذا الاجتماع، لتذكرها بجنسيات بعض الضحايا التي سقطت أسماؤهم، ليس سهواً.
من ضمن الشخصيات، ضحية أخرى من الجنسية السورية؛ عامل في المرفأ فقد حياته من جراء الانفجار. يتناول هذا العامل التجاهل الذي حصل بحق العمال الوافدين الذين ذُكروا كأرقام.
العرض في جزئه الأول، ومن خلال شهادات ومداخلات شخصيات ضحايا الانفجار، الأحياء منهم والأموات، يمثل استعادة ملخصة جداً، من دون أن تكون مكثفة فعلاً، لتصوّر نماذج قليلة من ضحايا الانفجار وأحوالهم الصحية والنفسية.
في الجزء الثاني من العمل، عندما انتهى الاجتماع على زوم، تركت الممثلة مكتبها وانتقلت إلى منتصف المسرح، ووقفت لتوجه تحية للجمهور، ظهرت كما لو أنها تحية انتهاء العرض. ليس فقط بسبب شكرها للحضور، بل لأنها شرحت خلفية العمل وأسبابه والمدة التي تطلّبها إنجازه، بصوت وأداء لا يشبهان صوت وأداء شخصية الممثلة في العرض.
تركت الشخصية التي أدتها خلفها، لتعود بعد دقائق وتطلب من إحدى شخصيات الشاشة الحضور إلى المسرح، لشرح وجهة نظرها بالعمل. رافق هذا الشرح الإضافي -الذي كرر أو أكد الخسارة- ترجمة للإنكليزية على الشاشة (الترجمة كانت موجودة أيضاً خلال الجزء الأول على الشاشة)، ثم حضرت شخصيات أخرى إلى المسرح، أبرزها "العامل السوري" الذي سقط اسمه، وبرز فقط كرقم كباقي الضحايا من الجنسيات الأقل حظاً.
تعود الممثلة وتصبح In character مجدّداً، عندما تقترح على الضحايا شبك الأيادي لإقامة سلسلة بشرية، ردّاً على التفجير لإظهار وحدة اللبنانيين. سخرية تكررت كثيراً على "لسان" منشورات فيسبوك، من قبل الذين استخفوا بأساليب جمعيات وحركات المجتمع المدني في التعامل السطحي مع هذه الجريمة، وفي أثناء انتفاضة 17 تشرين.

بعدها، تعود الممثلة لنقل رسالة طائر النورس الذي شاهد من سمائه كل ما حصل للمرفأ ولبيروت، بأداء صوتي غير محسوم إن كان للشخصية أو لبرناديت، بالرغم من أن المحتوى يفترض جُملة كليشيهات تحسم الأمر لصالح الشخصية.
العرض الذي تضمن ممثلين وأشخاصاً عاديين، وضحايا من التفجير، فلتت منه بعض النكات في مواقف محدودة جداً وغير مبررة، لكون العمل برغم تصويبه على الكليشيهات، لم يكن كوميدياً. لكنه أيضاً لم يكن درامياً، ربما؛ لأن هذا الموضوع يُنتظر منه أن يكون تراجيدياً، وهو ما لم يكن عليه كذلك.

كان "ريحة العنبر" سيبدو أقرب لعمل ساخر، لكن درجة السخرية لم تكن كافية ليعتبر كذلك، وأيضاً لا يمكن اعتباره كوميديا سوداء، لعدم تضمنه الكوميديا، ولا السواد. تنقل العرض الذي لم تتجاوز مدته الساعة، بين ما هو تمثيل وما هو حقيقي، بين من هم ممثلون، ومن هم ضحايا، بين من هم أحياء، ومن هم أموات، بين من هم ضحايا، ومن هم انتهازيون، بين المسرح والشاشة، بين العرض وشرح العرض، بين استخدام الكليشيهات المكررة والخطاب المباشر، الذي لم يخلُ من الكليشيهات أيضاً في اللحظات التي ضاعت فيها المسرحية بين العرض، والتواصل المباشر مع الجمهور.
ما الذي يقوله لنا أصحاب هذا العرض، الذي لم يتمحور حول التمثيل، وإن لم يخلُ منه، غير تقديم عمل يجعل من اجتماع بتقنية الزوم فضاءً له؟ هل يذكّروننا بأن التفجير خلَّف ضحايا، بعضهم أحياء؟ أن التفجير خلق طبقة من الانتهازيين؟ أم أن التفجير طاول كل المقيمين في بيروت والأراضي اللبنانية، وليس فقط اللبنانيين؟

المساهمون