مسجد الخالدي... القذائف تحطم قلب غزة النابض بالروحانيات

08 فبراير 2024
دمرت إسرائيل منذ 7 أكتوبر الماضي 447 مسجداً و3 كنائس (فرانس برس)
+ الخط -

لم تنج دور العبادة التي يحتضنها قطاع غزة من آلة الحرب الإسرائيلية التي طاولت العشرات منها منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فأحالتها إلى أكوام من الركام والرماد. بعض دور العبادة كـ"مسجد الخالدي"، الذي يقع شمال غرب مدينة غزة، شكّل أحد أبرز وأحدث معالم المدينة "الدينية"، كما كان مزاراً للمصلين في كافة الأوقات خاصة مع حلول شهر رمضان.

تصميمه العمراني المستوحى من العمارة العثمانية وإطلالته على البحر الأبيض المتوسط، شكلاً عاملاً جاذباً للمصلين خاصة في أوقات الصيف وارتفاع درجات الحرارة، وذلك قبل بدء العدوان الإسرائيلي.

ورغم أن الجيش الإسرائيلي استهدف هذا المسجد في ثاني أسابيع الحرب بشكل جزئي، إلا أنه أعاد استهدافه في وقت لاحق ليدمره بشكل كامل.

وكشف الانسحاب الإسرائيلي من بعض المناطق في الضواحي الشمالية الغربية لمحافظتي غزة وشمال القطاع، في 1 فبراير/ شباط الحالي، لأول مرة منذ بدء عمليته البرية، عن حجم الدمار الذي طاول المناطق السكنية والمعالم الدينية والبنى التحتية.

وفي 27 أكتوبر الماضي، بدأ الجيش الإسرائيلي عملية برية شملت توغله في عدة مناطق وأحياء في محافظتي غزة والشمال.

ومنذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بدأ الجيش بالانسحاب التدريجي من مناطق بمحافظة شمال القطاع، ليتبعها في بداية يناير/ كانون الثاني الماضي بانسحابات جزئية من أحياء ومناطق في محافظة غزة.

بينما أعاد توغله في بعض المناطق في محافظتي غزة والشمال، منتصف يناير الماضي، لتنفيذ عمليات سريعة، حيث يغير أماكن التوغل بين الفينة والأخرى، فيما يتراجع بعد انتهاء عملياته إلى أماكن تموضعه قرب الأطراف الشرقية والشمالية من محافظة الشمال، والشرقية والجنوبية الغربية في غزة.

مسجد الخالدي... من معلم ديني إلى ركام

لم يتبق من هذا المسجد، الذي كان يعتبر معلماً دينياً مهماً في غزة، إلا أكوام من الركام.

وبعد أن أطفأت آلة الحرب الإسرائيلية أضواء هذا المسجد وأسكتت أصوات المصلين، ودمرت كافة المعالم المحيطة به، لم يبق منه كشاهد إلا مئذنة واحدة "يتيمة" تشير إلى مكانه.

وقال أحمد رضوان، أحد رواده السابقين، لـ"الأناضول"، إن هذا المسجد لم يعد إلا "ذكرى" في أذهان المصلين؛ كما حدث مع بقية مساجد المدينة.

ويقع مسجد الخالدي، الذي بني عام 2010، على شارع الرشيد الساحلي في منطقة الواحة شمال غرب مدينة غزة.

هذا المسجد، الذي قال مهندسون، إن تصميمه مستوحى من العهد العثماني، يضم "ساحة واسعة تستوعب ما يقرب من 500 مصلٍ، بالإضافة إلى ساحة خارجية تستوعب 500 آخرين".

وقبل تدميره، كان يبرز من المسجد مئذنتان متألقتان بارتفاعهما، وقبة ضخمة تضفي جمالا على المكان. أما نوافذه فقد وزعت بشكل مناسب للسماح بدخول هواء البحر المنعش للمصلين، فيما غطيت أرضيته بالسجاد الأحمر، قبل إحالته لركام.

أجواء روحانية

مئات المصلين كانوا يتوجهون من أماكن بعيدة وصولاً إلى هذا المسجد، كونه يعكس "أجواء روحانية"، كانوا يصفونها بـ"المميزة".

وكانت أعداد المرتادين ترتفع خاصة مع حلول شهر رمضان، حيث كانت ساحته الداخلية تمتلئ بالأطفال والرجال سواء في ساعات النهار أو المساء. ففي النهار، كانت فئات الأطفال والمهتمين بتلاوة القرآن يتوجهون للمسجد لقراءة القرآن والمشاركة في الدروس التعليمية والدينية. فيما كانت ساعات المساء تتميز بأجواء خاصة حيث يتجمع المعتكفون، خاصة في العشر الأواخر من هذا الشهر، لقراءة القرآن وأداء صلاة قيام الليل.

وقال الشاب الفلسطيني يوسف الحلبي، لـ"الأناضول": "كان مسجد الخالدي المكان الذي كنت أتوجه إليه لأداء الصلوات دائما، خاصة في شهر رمضان، حيث كان يجمعني بأصدقائي من مدينة رفح جنوب القطاع لنعتكف فيه". وأضاف: "كانت الأجواء داخل المسجد روحانية، وكان صوت الأذان عندما يُنادى إلى الصلاة جميلاً".

ولفت إلى أن "الاحتلال دمر كل شيء جميل في غزة حتى المساجد لم تسلم من بطشه". وتابع: "الاحتلال يسعى لنشر الفساد في الأرض، بينما تُعتبر المساجد مراكز للتعليم والعبادة، وهو لا يرغب في أن ينشأ من بين أبناء غزة علماء".

"التدمير الأعنف"

مسجد الخالدي ليس دار العبادة الوحيدة التي طاولها التدمير الإسرائيلي، بل لحقت الأضرار بعشرات المساجد في قطاع غزة، من بينهم المسجد العمري الكبير الواقع شرق مدينة غزة، والذي يعتبر أكبر وأقدم جوامع القطاع.

وبحسب إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي في القطاع نشرها السبت، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي دمرت منذ 7 أكتوبر الماضي 447 مسجداً و3 كنائس.

وقال مدير عام المكتب الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة: "دمر جيش الاحتلال خلال حرب الإبادة الجماعية على غزة 183 مسجداً بشكل كلي، و264 مسجداً بشكل جزئي، إضافة إلى استهداف 3 كنائس".

وأضاف لـ"الأناضول": "لقد كان تدمير هذه المساجد من خلال إلقاء صواريخ وقنابل عليها يزن بعضها ألفي رطل من المتفجرات، مما أدى إلى تدميرها بشكل مباشر وعنيف، بما يدل على حقد وإجرام الاحتلال".

وتابع: "هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الاحتلال الإسرائيلي المساجد بالقصف والتدمير، لكنها الأعنف".

ولفت إلى أن "جريمة الاحتلال باستهداف وهدم المساجد وكذلك الكنائس أخفت صوت الأذان من عشرات الأحياء، وأوقفت طرق أجراس الكنائس أيضاً".

واعتبر أن "عملية استهداف المساجد تعبر عن حالة الإفلاس والعجز التي وصل لها الجيش، وكذلك الحقد وكراهية الأديان الأخرى وإلغاء مفاهيم التسامح والتقارب التي لا يؤمن بها هذا الاحتلال المجرم".

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون