منذ صدوره عام 2006، احتل أنمي Death Note مكاناً في العالم ليس له وحده فحسب، بل لعالم الأنمي بأكمله. ليس من المبالغة اعتبار أن هذا العمل جذب المعجبين حول العالم إلى الأنمي، وتسبب بانفتاح الفئات العمرية المختلفة على الأنمي الياباني. ربما Death Note ليس الأول الموجه للكبار، لكنه جاء في فترة انفتاح العالم أكثر فأكثر على المشاهدة عبر الإنترنت، من دون الاعتماد على القنوات التلفزيونية التي تُدبلج أعمال الأنمي وتكيّفها لتناسب الأطفال، مثل قناة سبيستون العربية.
بعد صدور هذا العمل، بحث الناس عن أعمال أنمي مشابهة من نوع دراما نفسية، وأرادوا المزيد من هذا، وكانت تلك واحدة من فترات المجد لاستديو Madhouse، الذي راكم نجاحات تلو أخرى. إن كنت تريد أن تبدأ بمشاهدة الأنمي، سينصحك الناس عادةً بـ"مذكرة الموت" (Death Note)، لإثبات أن هذا النوع من الأعمال ليس موجّهاً للأطفال فحسب، ولاحتوائه على أفكار عنيفة وصادمة، مُنع الأنمي في عدّة دول، مثل روسيا والصين.
بالطبع، لم يشاهد الجميع Death Note حتى الآن، بعد مرور أكثر من عقد. هناك جيل جديد يبحث عن أعمال جيدة ليشاهدها، ومنصات البث تستفيد من هذا جيداً. حصلت نتفليكس، أخيراً، على حقوق العديد من أعمال الأنمي التي بدأت تعدّ كلاسيكية من Nippon TV، وواحد من هذه الأعمال هو Death Note الذي كانت نتفليكس قد أصدرت نسخة فيلم حية منه، والآن تعمل على مسلسل حي مقتبس أيضاً، عنه من إخراج the Duffer brothers. ورغم الفشل الذريع للفيلم، ما زالت "نتفليكس" تريد الرهان على Death Note، ليصل إلى جمهور أكبر من جمهور الأنمي.
لا خير ولا شر
يخرج Death Note عن نمطية الأنمي في أذهان الناس، لأنه ببساطة لا يقدم بطلاً خيّراً ينقذ العالم، ولا يقدم العدالة على طبقٍ من ذهب، بل يذهب أبعد من ذلك، ليتداخل الخير والشر، لأن إنساناً حصل على قوة إلهية يحقق بها العدالة.
لايت هو طالب ثانوية مميز يلتقط دفتراً غامضاً سقط من السماء، بعدما رماه واحد من آلهة الموت ليتسلى. يقرأ لايت التعليمات المكتوبة باللغة الإنكليزية على ظهر الدفتر. باختصار، يمكن كتابة اسم أي شخص على الدفتر لقتله. ولا يمكن أن يُقتل أي شخص بالخطأ بسبب تشابه الأسماء، لأن على الكاتب/ القاتل أن يضع في ذهنه الشخص المقصود تحديداً.
يجرب لايت الدفتر أثناء مشاهدته بثاً مباشراً لمجرم يحتجز رهائن. يكتب لايت اسم المجرم ليموت على الفور بسكتة قلبية. بعد تأكده من فاعلية مذكرة الموت، يقرر لايت أن يحقق العدالة، ويبدأ بكتابة أسماء المجرمين تباعاً، فيعرف العالم أن هناك شيئاً ما وراء ذلك. وهنا تظهر شخصية L، المحقق العبقري الذي سيُتعب لايت. بعد هذه الأحداث، يبدأ لايت بقتل كل من يشتبهون بأمره أو يقتربون من ذلك، ليتحول من شخص يحاول تحقيق العدالة، إلى قاتل يغدر بالكثير من الأبرياء، حتى لو كانوا أقرب الناس إليه.
حبكة بوليسية ومظلمة
لايت ليس المالك الوحيد لمفكرة الموت. يظهر شخص آخر يضيف المزيد من التعقيدات للتحقيقات، وأيضاً المزيد من الانتهازية لشخصية البطل الذي سيحاول الاستفادة إلى أقصى حد من الآخر. على الجانب الآخر، L ليس العبقري الوحيد الذي ستستخدمه الـFBI. حلقة بعد أخرى، يزداد الأنمي ظلاماً ودموية، وجنسية أيضاً. ولا بد من ذكر أن الجنس في Death Note ليس خدمة معجبين (أي ليس موضوعاً للإثارة)، بل جزء من العالم الانتهازي، إذ تستسهل مراهقة عرض جسدها المسلّع بالفعل لكونها عارضة. وكما يقال عنه، إنه ليس عملاً مقدماً للأطفال، والجنس ليس موضوعاً مقحماً فيه.
يتحول Death Note إلى صراع بين عباقرة، لايت من جهة، وL وأمثاله من جهة أخرى، ليصبح في حلقاته الأخيرة أقرب إلى مباراة شطرنج بين عبقريين، يمكن وصفها بأنها تذكّر بمواجهات شيرلوك هولمز وغريمه موريارتي.
نسخ حية باهتة
قصة Death Note جذابة ومشوقة بالفعل، لكن القصة وحدها ليست العامل الوحيد. النسخ الحية العديدة من Death Note لم تلق نجاحاً بقدر الأنمي، أو يمكن القول إنها فشلت وصارت محط سخرية رغم نجاح المانغا والأنمي. في الحقيقة هذا ليس مفاجئاً، فالإنتاجات الحية عن أعمال أنمي لم تلق نجاح العمل الأصلي، مثل ما حدث في Ghost in the Shell الذي يعد واحداً من أفلام الأنمي الخالدة، إلا أن النسخة الحية منه لم تكن بتلك الجودة.
تسمح الرسومات في المانغا والأنمي بقبول الشخصيات المبالغ فيها، فالرسوم تقدم عالماً افتراضياً يخضع لشروطه الخاصة مهما كانت خيالية، ويستطيع إدخال المشاهد في التجربة والإيهام رغم ذلك. صحيح أن أي نوع من الخيال قابل للتقديم الآن في الأفلام والمسلسلات الحية، وأن أنمي مثل Death Note لا يحتاج إلى الكثير من الخيال، لأن أحداثه تجري في عالم واقعي، لكن الأمر لا يقتصر على البصريات، الشخصيات هي المؤثر الأكبر هنا.
يمكن قبول شخصيات مثل لايت وL في الأنمي مع كل المبالغة فيها، لأنها مجرد رسوم ولن تبدو سخيفة، على عكس النسخ الحية، تعجز هذه الشخصيات عن الظهور بشكل مقبول باستخدام ممثل، لأنه سيبدو طفولياً وسخيفاً، وإن حاول الصنّاع تعديل الشخصية لتبدو أكثر منطقية مع ممثل، ستفقد كثيراً من مميزاتها.
مع ذلك، يبدو أننا سنشهد مزيداً من المحاولات، مثل محاولة "نتفليكس"، لإنتاج مسلسلها الجديد المقتبس عن Death Note الذي سيجعل الأنمي أكثر خلوداً مما هو عليه، ويحصد المزيد من المشاهدين في الغالب. لكن هناك احتمالاً آخر، هو أن "نتفليكس" تستهدف جمهوراً جديداً لم يشاهد الأنمي بعد لتراهن على فكرة أن العمل الذي تتم مشاهدته أولاً يكون البوصلة لتقييم النسخ الأخرى وإن كانت الأصلية. يبقى هذا الرهان صعباً حتى في هذه الحالة، فالجمهور الذي لا يفضل الأنمي لديه بالفعل العديد من الأعمال التي تتناول أفكاراً فلسفية وجدلية، فما الجديد الذي ينتظره في هذه الحالة؟