قبل أكثر من أسبوعين، رحل الفنان المصري، محمد سلطان (1937 - 2022)، نتيجة إصابته بأزمة قلبية، ليكتب نهاية حقبة الملحنين الكبار، إذ كان آخر أعمدة الجيل السابق. العودة إلى سيرة سلطان بهدوء، بعيداً عن العواطف التي تحكم الأيام الأولى للرحيل، تكشف لنا عن موهبة مهمّة، حجب بريقها في أوقات كثيرة لأسباب مختلفة، أبرزها أنه لم يعمل مع الأسماء الرائجة التي يرى فيها الجمهور فناني صف أول ومتقدّمين على آخرين غيرهم.
منذ سنوات مراهقته، بدا واضحاً أن لابن مدينة الإسكندرية، ميلاً نحو التلحين والتاليف الموسيقي. ميلٌ حاول والده، ضابط الشرطة الصارم، قمعه من إخلال إجباره على دخول كلية البحرية، التي هجرها بعد عام، ثم درس الحقوق، ليتخرج عام 1960، ويهجر الأكاديميا نحو هوسه الموسيقي.
أولى مراحل ترجمة هذا الهوس، بدأت خلال المراهقة حين زار الموسيقار محمد عبد الوهاب في منزله في الإسكندرية وأسمعه ألحانه. حينها، عبّر عبد الوهاب عن إعجابه بما سمعه. لكن الموسيقى لم تكن الباب الذي دخل منه سلطان إلى عالم الفن، بل التمثيل؛ إذ اكتشفه المخرج الراحل، يوسف شاهين، في نادي الفروسية، وقدمه إلى الجمهور في فيلم "صلاح الدين"، ثم شارك في بطولة فيلم "عائلة زيزي" مع الراحلة سعاد حسني، ليقدم بعدها عشر تجارب سينمائية. لكن، ظلت الموسيقى، رغم كل شيء، هي الهوس الأهم والأكبر في حياته.
ومن خلال علاقته القوية مع الموسيقار الراحل فريد الأطرش، خاصة بعدما شاركه التمثيل في فيلم "يوم بلا غد"، قابل رفيقة حياته وزوجته المطربة فايزة أحمد، فطلبت منه أن يلحن لها، وكانت خطوة جريئة من مطربة بحجم فايزة أحمد أن تتعامل مع ملحن شاب، لا يمتلك اسماً فنياً في عالم الموسيقى.
آمنت فايزة أحمد بالملحن الشاب وموهبته، إذ كانت في رحلة بحث عن ملحن خاص بها، بعيداً عن الملحنين الكبار المشغولين مع مطربين ومطربات آخرين. فقدم سلطان أول لحن له، "هاتوا الفل مع الياسمين ورشوا الورد على الصفين"، مع فايزة أحمد، لتبدأ علاقة صداقة واستلطاف بين الاثنين، حتى بدأت الشائعات تطارد النجمة الكبيرة، وصولاً إلى زواجهما.
بعد الزواج، قدم سلطان العديد من ألحان فايزة أحمد، فشكلا ثنائياً حقق نجاحات كبيرة، مع أعمال مثل "مال عليا مال"، وموشح "يا هلالا"، و"أخد حبيبي"، و"قاعد معايا"، و"خليكوا شاهدين"، و"إنت واحشني"، و"رسالة من امرأة"، و"أحلى طريق في دنيتي". هذه النجاحات الكبيرة جعلت محمد سلطان من أهم الملحنين في مرحلة السبعينيات ومطلع الثمانينيات.
إلى جانب تلحينه لفايزة أحمد، عمل مع فنانين آخرين، بينهم ميادة الحناوي ("رجعنا للبداية"، و"آخر زمن")، وهاني شاكر ("سيبوني أحب"، و"يا ريتك معايا")، وأصالة ("سامحتك كتير").
وتماماً، كما رسم زواجه بفايزة أحمد سيرته الموسيقية، طبع ذلك حياته الشخصية حتى رحيله؛ إذ انفصل الثنائي، ثم تزوجا مجدداً خلال مرض فايزة أحمد، حيث بقي إلى جانبها حتى رحيلها، ليعيش وحيداً بعدها، في منزله أو في مقهى ستراند الشهير في منطقة باب اللوق، حيث كان يلعب طاولة النرد بشكل يومي، أو يجلس وحيداً مع نفسه وذكرياته.