محمد الموجي... كامل الأوصاف في مئويته

17 ديسمبر 2023
قدّم في حياته قرابة ألفي لحن لفنانين لمختلف الأجيال (فيسبوك)
+ الخط -

بعد سنتين من عمله ناظراً للزراعة، استقال محمد الموجي (1923 - 1995)؛ إذ كانت تحرضه رغبة في أن يصبح مغنياً، لينطلق إلى القاهرة. هناك، عمل في الملاهي الليلية مدة ثلاث سنوات، تقدم خلالها للاختبار كمطرب في الإذاعة المصرية أكثر من مرة. لكن اللجنة المعنية عدلت مساره وقبلته ملحناً. منذ تلك اللحظة، بدأت سيرة محمد الموجي كواحد من أهم الموسيقيين المصريين والعرب في القرن العشرين.

عبر عود والده وغرامافون عمه، تعرف إلى الموسيقى. على المسرح المدرسي، مارس الغناء والتلحين أول مرة، ليتعرف محيطه إلى موهبته ويُدعى للغناء ببلدته في مناسبات مختلفة. وبعد مغادرته محافظته كفر الشيخ إلى القاهرة، عمل الموجي عازفا على العود في فرقتي صفية حلمي وبديعة مصابني.

ومن تلك الكازينوهات إلى الإذاعة التي أسندت إليه قسم الأغاني الشعبية، وبتشجيع من المسؤول الإذاعي الشهير محمد حسن الشجاعي، لحن الموجي لأهم المطربين وقتها، مثل فتحية أحمد ونجاة علي ومحمد عبد المطلب وعبده السروجي ومحمد قنديل وكارم محمود وفايزة أحمد. ومن خلال صوت الأخيرة التي غنت له "أنا قلبي إليك ميال" و"يمّه القمر على الباب"، حقق شهرة واسعة زادت من ثقته بنفسه وأهلته للعتبة التالية.

جاءت هذه العتبة حين تعرف إلى صوت عبد الحليم حافظ صدفة من خلال الراديو، ليذهب في اليوم التالي إلى الإذاعة ويطلب من رئيسها حافظ عبد الوهاب التعاون مع العندليب، ولم يوافق عبد الوهاب الذي كان يتبنى عبد الحليم إلا لثقته في موهبة الموجي.

رأى الملحن الشاب في العندليب صوته الذي طمح إليه؛ فتوقف عن الغناء في الملاهي الليلية، وتفرغ بشكل كامل للتلحين، وخص حليم بعدد كبير من ألحانه، من أوائلها الأغنية الشهيرة "صافيني مرة" التي غناها حليم لأول مرة في ذكرى ثورة يوليو 1953، ودشن نجاحها الكبير علاقة فنية امتدت إلى ما يقرب من 90 عملاً غنائياً ما بين عاطفي ووطني وديني، من أهمها: "جبار"، و"يا حلو يا أسمر"، و"كامل الأوصاف"، و"حبك نار"، و"قارئة الفنجان"، و"رسالة من تحت الماء".

لم يدرس الموجي الموسيقى، وواجه صعوبة بالغة لدى محاولاته المتكررة تعلم النوتة الموسيقية. وعن هذا الأمر، ذكر في أحد لقاءاته التلفزيونية أنه في البدايات لم تكن له أي دراية بالمقامات الموسيقية. وحين كان عازفو الوتريات في الفرق يسألونه عن المقام حتى يضبطوا آلاتهم، كان يتهرب من السؤال، وشيئاً فشيئاً بدأ يتعرف على المقامات.

هذا النقص عوضه ثراء الموهبة، التي تبدت في تنوع أساليبه لتتلاءم مع المغنين والمطربين الذين تعامل معهم على اختلاف ألوانهم الغنائية، فأعماله لأم كلثوم تمايزت بشكل ملحوظ عن ألحانه لعبد الحليم. وكما قدم أغاني مثل "يا حلو صبح" و"أما براوة" و"شباكنا ستايره حرير"، أبدع أعمالاً مثل "حانة الأقدار" و"للصبر حدود". هذا التنوع جمعته جمل موسيقية اتسمت بالقصر والبساطة والعمق. ومثل أستاذه عبد الوهاب، عمل الموجي على مزج الأساليب الشرقية بالغربية، وإن مال في أغلب ألحانه إلى الاهتمام بالبناء الدرامي للحن وقدمه على التطريب.

دفع الموجي، لدى بروزه، مع اسم آخر هو كمال الطويل، الغناء المصري إلى مساحة ابتعدت عن التطريب الذي كانت له الغلبة قبل ظهورهما، وعبرت عن النزوع الفني الجديد أصوات مثل فايزة أحمد وشادية وصباح وماهر العطار ومحرم فؤاد.


هذا الميل إلى التجديد لم يمنع الملحن الشاب عن تقديم أعمال مهمة لأم كلثوم، فجاءت البداية مع نشيد الجلاء، ورغم رهبة شعر بها الموجي من أن يكون أول عمل له مع كوكب الشرق قصيدة، وفضل أن تكون البداية أغنية عاطفية، لكن أم كلثوم أصرت، واستتبع نجاح الأغنية تكرار تعاونها مع الموجي في أعمال وطنية أخرى مثل: "إحنا بدينا بالسلام"، و"محلاك يا مصري"، و"يا سلام على الأمة"، و"يا صوت بلدنا".

تبع تلك الأعمال الوطنية التعاون الأشهر بينهما في "للصبر حدود"، ثم "اسأل روحك". وبرغم نجاح الأغنيتين، إلا أنهما خالفتا غالبية أعمال الملحن المجدد، فقد آثر في الأغنيتين، خاصة الثانية، أن يكون تقليدياً. وحال رحيل أم كلثوم دون إتمام عمل أخير، "لو كنت بصعب عليك" من كلمات أحمد رامي.

إلى جانب عبد الحليم وأم كلثوم، قدم الموجي كثيراً من الأغاني الناجحة لشادية، مثل: "غاب القمر"، و"أنا في حبك"، و"شيء مش معقول"، و"شباكنا ستايره حرير"، و"يا قلبي سيبك"، و"مين قالك تسكن في حارتنا"، و"يا عزيز عيني"، و"عقد لولي" و"أقوله ولا لأ". كما لحن للمطربة شهرزاد أعمالاً مثل "تخاصم وأصالحك"، و"بتحلفني بحبك ليه". ولصباح، يتذكر كثيرون أغاني من تلحين الموجي، مثل "والله واتجمعنا"، و"الحليوة فين"، و"حبيب القلب مين".


تعددت الأسماء والأجيال التي خصها الموجي بإبداعه، فلحّن أيضاً لحورية حسن، وشريفة فاضل، وليلى مراد، وملك، وسعاد محمد، وسعاد مكاوي، وكارم محمود، وسوزان عطية، وكمال حسني، وعبد الغني السيد، وعزيزة جلال، ونجاة علي، وفايدة كامل، ونجاح سلام، ونجاة. كذلك غنت من أعماله كل من ياسمين الخيام، ولطيفة، وشيريهان، وأنوشكا، وسميرة توفيق، وأصالة نصري، ومنى عبد الغني، ونادية مصطفى.

وانتظم ما قدمه الموجي إلى تلك الأسماء ضمن ما يقرب من ألفي عمل غنائي. شملت هذه الأعمال أيضاً المسرح الغنائي، منها "الشاطر حسن" و"طبيخ الملائكة" و"حمدان وبهانة" "ممنوع يا كروان". أما التلفزيون، فقد لحن له الموجي، بعيد افتتاحه، أولى أغانيه المصورة "فنجان شاي"، تبعها العديد من الأعمال مثل: "الرجل ده هيجنني" لصباح وفؤاد المهندس، وأغاني مسلسلات "أدهم الشرقاوي" و"ناعسة والسفينة التائهة" و"عادات وتقاليد" و"زهرة السور العالي" و"لسه بحلم بيوم" و"الكعبة المشرفة"، إضافة إلى أغاني الفيلم التلفزيوني "البنت والساعة"، وأغاني فوازير رمضان (1976) بطولة نيللي، وأغاني مسلسل ألف ليلة وليلة (1985 ـ 1989). كذلك، اشترك الموجي مع محمد فوزي في أغاني فيلمي "تمر حنة" و"ليلى بنت الشاطئ". وقدم كذلك الموسيقى التصويرية لأفلام مثل "الراقصة والطبال" و"العصابة".

وكان من بين ما طمح إليه الموجي مدرسة للأصوات، أنشأها بالفعل في سنة 1962، وتخرج منها العديد من الأسماء التي صارت فيما بعد نجوما مثل: شريفة فاضل ومها صبري وماهر العطار وعايدة الشاعر وعبد اللطيف التلباني وأحمد سامي وليلى جمال. لكن لم تستمر المدرسة طويلا في أداء دورها، إذ لم يتلق الموجي أي دعم من الدولة مثل ما كان يأمل، فاضطر إلى إغلاقها بعد سنتين من تأسيسها.

المساهمون