في بداية عام 2022، أعلنت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، عن المكان والزمان الذي ستنتهي فيه محطة الفضاء الدولية (ISS)؛ إذ وضحت الوكالة نيتها إغراق المحطة في المنطقة المسماة بـ "مقبرة المركبات الفضائية" (Spacecraft cemetery) في المحيط الهادئ، في يناير/كانون الثاني من عام 2031. ونشرت ناسا تغريدة قالت فيها إن "محطة الفضاء وفرت على مدار أكثر من 20 عاماً فرصاً فريدة للأبحاث والنتائج"، مضيفةً أن "إدارة بايدن - هاريس قررت تمديد مهمة المختبر المداري حتى عام 2030". في المقابل، تنوي وكالة الفضاء التابعة للحكومة الأميركية، استكمال أبحاث الفضاء من خلال شراء خدمات شركات الفضاء الخاصة ورحلاتها.
يَمنح هذا الخبر أهمية خاصة للفيلم الوثائقي The Wonderful: Stories From the Space Station، الذي صدر خلال العام الماضي، وبدأت منصة OSN ببثه أخيراً. لكننا إذا أردنا أن نختصر مراجعة هذا الفيلم الوثائقي في جملة واحدة، يمكن القول إنه للأسف ليس فيه الكثير مما يثير الدهشة، والقصص التي وردت فيه، لم تحدث في محطة الفضاء الدولية.
لكن أهمية الوثائقي، تكمن في التعرف إلى مجموعة محددة من رواد فضاء، عاشوا في محطة الفضاء الدولية من أصل أكثر من 200 شخصية زارت المحطة. يركز الحوار مع رواد الفضاء على ذكريات طفولتهم وقصصهم الشخصية مع عائلاتهم، وأبرزها قصة الحب والفراق والاشتياق بين رائدة الفضاء الأميركية كاترين كولمان، وزوجها وابنها. مع ذلك، قد تكون أبرز نقاط الضعف في هذا الوثائقي، المقاطع الصوتية والموسيقى التي لا تتلاءم في كثير من الأحيان مع اللحظة وتشتت الانتباه.
من هنا، يبدو اسم الفيلم الوثائقي مضللاً إلى حد ما؛ فهو لا يتطرق بشكل كاف إلى قصص من داخل محطة الفضاء الدولية أو عنها، ويركز بدلاً من ذلك على ما يحدث في الأرض، وفي الولايات المتحدة تحديداً؛ حيث توجد بيوت وعائلات معظم رواد الفضاء في الذين نتعرّف إليهم في العمل. يستذكر الفيلم أيضاً أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وسقوط برجي التجارة العالميين في نيويورك.
هنا، تعود المخرجة كلير لوينس إلى الصور التي التقطت من محطة الفضاء لعمود الدخان الكثيف المتصاعد في الجو نتيجة الانهيار. يروي تفاصيل إحدى الصور، رائد الفضاء "الأميركي الوحيد خارج الأرض لحظة وقوع الهجوم"، فرانك كالبرتسون. يقول إنه بعد أن فقد الاتصال مع غرفة المراقبة، التي اضطر طاقمها إلى الانتقال إلى مكان سري، كانت طواقم المراقبة في موسكو تقدم الدعم للرواد في المحطة، وتواسيه خلال تلك الأوقات العصيبة. يذكر فرانك: "مات 94 روسياً أيضا في الهجوم على مركز التجارة".
يمر صانعو الفيلم على تاريخ التعاون بين روسيا والولايات المتحدة لإنشاء محطة الفضاء، لكن وجهة النظر الأميركية تطغى فيه. يقول رائد الفضاء الأميركي سكوت كيلي: "نحن أعداء سابقون أصبحنا رفاق طاقم في طريقنا إلى محطة فضاء بنيناها معا".
حاولت لوينس اختيار رواد فضاء من جنسيات مختلفة، لكن معظم الشخصيات في فيلمها بطبيعة الحال من الولايات المتحدة الأميركية، وهو أمر يبرره تصدر رواد الفضاء الأميركيين قائمة زوار محطة الفضاء الدولية من حيث العدد. بالدرجة الثانية، هناك رواد الفضاء الروس الذين ساهموا بشكل كبير في إنشاء وبناء محطة الفضاء الدولية عام 1998.
يمكن القول إنه بالنسبة إلى المهتمين بتاريخ رحلات الفضاء؛ فإن أهم ما يقف عنده هذا وثائقي من أحداث تاريخية؛ كارثة تحطم مكوك الفضاء "كولومبيا" في فبراير/شباط من عام 2003، التي كانت متجهة إلى محطة الفضاء الدولية، ومقتل كافة أفراد طاقمها، إضافة إلى حدث الهبوط البالستي لرواد فضاء "البعثة 6"، والذي جرى في مايو/أيار من نفس العام. فبعد وقوع كارثة المكوك "كولومبيا"، تم تعليق الرحلات بواسطة المركبات الفضائية لفحصها ومراجعتها، وتقرر أن يعود رواد "البعثة 6"، بحسب ما يرويه الأميركي كينيث باورسوكس، بواسطة إحدى مركبات سويوز الروسية، التي تكون واحدة منها على الأقل ملتحمة بمحطة الفضاء الدولية غالباً، وذلك بدلاً من العودة على متن مكوك.
تعد مركبات سويوز كـ "قوارب النجاة" في محطة الفضاء، وتستعمل في حالات الطوارئ. كما أنها من تعد من أكثر المركبات الفضائية المأهولة أماناً، وهي أكثر مركبة استخدمت في نقل رواد الفضاء والسياح إلى الفضاء، منذ الستينيات إلى اليوم. وهي مركبة صغيرة لا تتسع كبسولتها لأكثر من ثلاثة رواد. تُطلق مركبات سويوز على متن صاروخ روسي يحمل نفس الاسم، وتطلق عادة من كازاخستان، تلتحم بمحطة الفضاء بشكل تلقائي وفق حسابات معدة مسبقاً.
الوثائقي The Wonderful: Stories From the Space Station، لا يحتوي على ما هو متوقع منه، وقد يشعر المشاهد بالضجر نتيجة التركيز على القصص الشخصية والذكريات المتشابهة إلى حد كبير في كل مقابلة مع الشخصيات الكثيرة فيه. الموسيقى غير موفقة والمشاهد والصور ليست مميزة من الناحية الفنية. هناك مرور على بعض الأحداث التاريخية والقرارات السياسية المهمة من وجهة النظر الأميركية.