محاولة اغتيال صحافي في هولندا تخلّف صدمة وتنديدات واسعة

08 يوليو 2021
توجه سكان ومارة صدموا بالهجوم الى مكان الجريمة ووضعوا الزهور والشموع (فرانس برس)
+ الخط -

حالة من الصدمة تعيشها العاصمة الهولندية أمستردام، منذ ليلة الثلاثاء، بعد محاولة اغتيال الصحافي البارز بيتر ر. دي فريس (65 سنة)، المختص في عالم الجريمة وتشكيلاتها الخفية، إثر تعرّضه لإطلاق نار في وضح النهار، في وسط أمستردام. ورغم إعلان الشرطة الهولندية أنها اعتقلت 3 مشبوهين في الجريمة، بعد أن نُقل الصحافي إلى مستشفى قريب وسط أمستردام في حالة خطيرة، إلا أن دوافع الجريمة لم تحدد رسميا.

ودي فريس صحافي ومذيع تلفزيوني معروف في بلاده بتغطيته العديد من القضايا الجنائية، وبقربه من شهود رئيسيين فيها، كما أنّه غالباً ما يتحدّث باسم ضحايا هذه القضايا.

تعرّض الصحافي دي فريس، حوالي الساعة السابعة والنصف من مساء الثلاثاء، لإطلاق نار أثناء مغادرته قناة "آر تي إل" التلفزيونية التي كان ضيفاً في برنامج فيها، وأصيب بجروح خطيرة بعد أن أطلق الجناة النار على رأسه، وفقا لما نقلت الصحافة المحلية عن عمدة أمستردام، فيمكي هاليسما.

وتوجّه رئيس الوزراء مارك روته، برفقة وزير العدل والأمن فرديناند غرابرهاوش، إلى مقرّ الوكالة الوطنية للأمن ومكافحة الإرهاب في لاهاي، "لمناقشة" القضية. وقال رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، إنّ "الهجوم على بيتر ر. دي فريس مروّع ولا يمكن تصوّره. إنّه هجوم على صحافي شجاع، وبالتالي هجوم على حرية الصحافة الضرورية للغاية لديمقراطيتنا ولدولة القانون لدينا". وأضاف: "إنه يوم مُظلم، ليس فقط لأولئك المقرّبين من بيتر ر. دي فريس، بل أيضاً لحرية الصحافة"، متابعاً: "في هولندا نحن نريد أن يظلّ الصحافيون قادرين على إجراء أيّ تحقيق يجب إجراؤه بحريّة كاملة. هذه الحريّة تعرّضت لانتهاك خطير مساء اليوم".

محاولة اغتيال هذا الصحافي المعروف في بلده وصلت أصداؤها إلى القصر الملكي، حيث كتب الملك وليام ألكسندر وزوجته ماكسيما على فيسبوك أنهما مصدومان للغاية و"يجب أن يكون للصحافيين القدرة على القيام بعملهم بحرية وبدون تهديد"، فيما رئيس الوزراء الليبرالي مارك روته اعتبر أن الجريمة "هجوم على الصحافة الحرة".

ويعرف الصحافي المختص في تحقيقات عن عالم الجريمة والعصابات، بعلاقات واسعة بها وبالشرطة الهولندية. ويتكرر ظهوره في المحاكمات وعلى البرامج التلفزيونية المختصة بتلك الجرائم، وهو يتابع منذ فترة قضية كبيرة تتعلق بعالم الجريمة تنظر فيها المحاكم الهولندية.

ورغم ذهاب بعض الصحف إلى ربط محاولة الاغتيال بالعصابات، إلا أن الشرطة لم توضح بعد ما إذا كانت هناك صلة بين تلك الأعمال والهجوم على دي فريس. وكشفت وسائل الإعلام الهولندية أن دي فريس، ورغم أن حياته كانت مهددة، رفض الحصول على حماية أمنية منذ 2016، إذ كشفت تحقيقات الشرطة في قضايا العصابات أن الرجل "كان مدرجاً على قوائم الموت".

وتحوّلت معظم التغطيات المستعجلة في التلفزة والصحافة إلى قضية محاولة اغتيال دي فريس، خصوصاً بعد انتشار بعض الفيديوهات التي صورت الرجل بعد أن أطلق النار عليه، حيث طالبت الشرطة بالتوقف عن نشرها. فيما قام موقع "يوتيوب" بحذف جميع الفيديوهات التي صورها من كانوا في ساحة الجريمة.

وعُرف الصحافي بيتر دي فريس بتخصصه في عالم الجريمة بعد عام 1987، وحصل على جوائز عدة نتيجة عمله على تحقيقات تتعلق بالعالم السفلي الخفي للجريمة المنظمة، التي تضم أسماء أوروبية ولاتينية وعربية في عالم المخدرات والممنوعات في البلاد. وصباح الأربعاء، ذهبت الصحافة والمواقع الهولندية إلى ربط الجريمة بجرائم أخرى مستمرة منذ 2018، على خلفية "قضية كبيرة" (تعرف بقضية رضوان التاغي، مهرب المخدرات الذي جرى توقيفه في دبي عام 2019) وتتعلق بعصابات تهريب واتجار بالمخدرات. ووجهت الصحافة إلى العصابات اتهامات بوضع لوائح قتل تستهدف شهودا وصحافيين وقضاة ومحامين في القضية التي تتابعها المحاكم منذ العام الماضي 2020. ويرتبط اسم رضوان بثلاث جرائم قتل تسمى "عصابة راكبي الدراجات النارية"، بعد أن استطاع الأمن الهولندي فك شيفرة هواتف العصابة التي اشتهرت باسم "كالو واغو" وتتهم بارتكاب جرائم اغتيال وتهديد وابتزاز وحيازة أسلحة نارية والاتجار فيها.

وقد أثار الهجوم العديد من ردود فعل من صحافيين وشخصيات سياسية من هولندا والخارج. وتوجه سكان ومارة صدموا بالهجوم الى مكان الجريمة صباح الأربعاء ووضعوا الزهور والشموع.

كما نددت منظمات الصحافيين والدفاع عن حرية الصحافة بالاجماع، الأربعاء، بالهجوم على الصحافي. وفي بيان مشترك دان الاتحاد الدولي والاتحاد الأوروبي للصحافيين "بضرية مأساوية جديدة وجهت الى حرية الصحافة في أوروبا". وطالب رئيس الاتحاد موغنس بليشر بيرغارد "بتحقيق فوري لإحالة مدبري هذا الهجوم الرهيب الى القضاء".

وعبرت منظمة مراسلون بلا حدود ولجنة حماية الصحافيين أيضا عن تضامنها مع الصحافي وطالبت السلطات الهولندية بايجاد المسؤولين عن هذا الهجوم بسرعة.

من جانب آخر قال ممثل الاتحاد الأوروبي في لجنة حماية الصحافيين، وهي جمعية مدافعة عن حرية الصحافة مقرها في الولايات المتحدة، إن "الصحافيين في الاتحاد الأوروبي يجب أن يتمكنوا من التحقيق حول الجريمة والفساد بدون مخاوف على أمنهم". وتابع توم غيبسون في بيان أن السلطات الهولندية يجب أن تحقق "سريعا وبدقة" في الهجوم على دي فريس بهدف "تحديد ما اذا استهدف بسبب عمله" و"ضمان ان المهاجم والمدبرين سيحالون الى القضاء".

وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في تغريدة "إنها جريمة ضد الصحافة وهجوم على قيمنا الديمقراطية ودولة القانون. سنواصل الدفاع بدون هوادة عن حرية الصحافة". من جهتها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أمام البرلمان الأوروبي إن "الصحافيين الذين يحققون في حالات مفترضة لاستغلال السلطة لا يشكلون تهديدا وانما مكسبا لديمقراطياتنا ومجتمعاتنا. أفكارنا وتضامننا يتجهان الى الصحافي بيتر دي فريس".

واحتلت هولندا المرتبة السادسة من 180 دولة عام 2021 بحسب آخر تصنيف عالمي لحرية الصحافة تعده منظمة "مراسلون بلا حدود"، خلف النروج وفنلندا والسويد والدنمارك وكوستاريكا.

المساهمون