بعد نحو عشر سنوات على إنتاج الفنان الفلسطيني محمد أبو سل للعمل التركيبي متعدد الوسائط "مترو غزة" الذي طرح من خلاله حلولاً لحركة النقل في قطاع غزة، يشكل هذا العمل اليوم أساساً لعرض مسرحي من إخراج فرنسي وتمثيل فلسطيني.
وكان أبو سل قد صمم عمله الفني آنذاك على أسس علمية بعد عملية بحث طويلة، كان الهدف منها طرح إمكانية إنشاء شبكة قطارات تحت الأرض، تصل الضفة الغربية بقطاع غزة، وتصل مدن القطاع ببعضها.
وصرح مخرج المسرحية هيرفي لواشمول، بعد عرضها أمس الأحد على مسرح القصبة في رام الله: "بدت الفكرة كأنها مزحة أن تحول عملا فنيا إلى مسرحية". وأضاف: "عرض العمل الفني كان في العام 2012 في المعهد الفرنسي، وبدأت بعد ذلك بورش عمل في قطاع غزة مع طلاب وممثلين شباب، لكني اعتقدت أنه من المستحيل أن ننجح في عمل مسرحية، مبنية على العمل الفني".
وأضاف: "بعد مرور سنوات، تذكرت عمل محمد أبو سل، وبدأت أتخيل بعض الأشياء، وأعتقد أن الحلم أداة سياسية، لتذكير العالم بطريقة مختلفة، فالحلم نوع من محاولات التغيير".
يبدأ العرض المسرحي بفتاة نائمة على مقاعد تشبه مقاعد المترو، تحلم بأنه أخذها من جنين إلى غزة، لتبدأ من هناك أحداث المسرحية.
واختار المخرج ألا يتجاوز ديكور المسرحية تلك المقاعد وخلفية بيضاء، بدت في بعض الأحيان كأنها جدار، وفي أحيان أخرى، تظهر عليها مقاطع فيديو لأحداث حقيقية، شهدها قطاع غزة، من قصف وتدمير على وقع مؤثرات صوتية.
وجاءت نصوص المسرحية التي كتبتها خولة إبراهيم إلى جانب المخرج كأنها حكايات واقعية لسكان قطاع غزة، وما يعيشونه أثناء الحرب المتكررة خلال السنوات الماضية.
وقال لواشمول: "صحيح أننا قدمنا في المسرحية الاحتلال والاستيطان اللذين يعاني منهما الفلسطينيون، لكننا أيضا أظهرنا أن للفلسطينيين أحلامهم وتخيلاتهم، بأن يكون لديهم شيء مختلف في فلسطين".
أنتج المسرحية "مسرح الحرية" في مدينة جنين، وشارك في أدائها كل من شادن سليم وأحمد الطوباسي وياسمين شلالدة، واشتملت على بعض أعمال الخفة، إضافة إلى المزج بين ما بدا أنه خروج عن النص المسرحي، في حين أنه كان جزءاً منه، ومن ذلك الخلاف بين الممثلين حول الحلم.
وقال الممثل أحمد الطوباسي، الذي أدى دور صاحب الحلم في أن يكون هناك مترو في قطاع غزة: "دائما في مسرح الحرية نبحث عن طرق وأساليب جديدة نخاطب فيها الجمهور، هذه المرة كان التعاون مع المخرج الفرنسي هيرفي".
وأضاف بعد العرض: "قدمنا المسرحية بطريقة عمل مسرح بيكيت، المبني على طرح القصص بأسلوب تجريبي في مكان متخيل". وأوضح أن "اختيار غزة، لأنها أصبحت بالنسبة لنا عالما آخر، لا نستطيع تبادل الزيارات، إلا في حالات خاصة".
فالتنقل بين الضفة الغربية وقطاع غزة يحتاج إلى الحصول على تصاريح خاصة من سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي عادة لا تعطى إلا في حالات خاصة خلال الأعياد أو لأغراض العلاج.
وأشار الطوباسي، إلى أن المسرحية التي بدأ الإعداد لها منذ عام 2020، تأخر عرضها بسبب جائحة كورونا، كما كان لمشكلة التمويل دور في تعطل العمل. وقال: "لكننا بدعم من عدد من المؤسسات، نجحنا في إنتاج هذا العمل المسرحي، واليوم يرى النور على خشبة المسرح".
وعلى مدى 65 دقيقة، كان تفاعل الجمهور إشارة واضحة إلى نجاح العرض، حيث كانت تتعالى ضحكاته خلال بعض المواقف التي حاول الممثلون إبراز طاقاتهم الفردية، واستخدام لغة الجسد في أكثر من موقف.
وعلق الكاتب والناقد المسرحي تحسين يقين على العرض بالقول: "من الجيد أن يعرض في فلسطين مسرح تجريبي، كما هو سائد في أوروبا اليوم، والذي يعتمد على كسر كل القواعد في العمل المسرحي". وأضاف: "مضمون المسرحية، الحلم الفلسطيني، هو شيء معقد وبسيط استدعى هذا الشكل الفني".
وأوضح أنه عند الحديث عن الحلم، كانت اللعبة الحركية على المسرح لعبة حالمة، بدليل أن الممثلة كانت نائمة واستيقظت، لذلك "إذا أردنا مطابقة الشكل بالمضمون فقد نجح العمل في جعل المتلقي الفلسطيني يرى الحلم على المسرح".
(رويترز)