متحف 3-2-1 في الدوحة: تسديد في الزاوية 90

اختارت قطر افتتاح متحفها الأولمبي والرياضي 3-2-1 بجوار استاد خليفة، ووسط مجمع المدينة الرياضية. لا يوجد خيار أفضل من هذا؛ إذ يسرد المتحف حكاية الرياضة من ثقافات الشعوب، قديمها وحديثها، وهو يتبادل الإطلالة مع استاد تأسس عام 1976، عقب استقلال قطر بخمس سنوات، وهو الأقدم بين ثمانية ملاعب تشهد مونديال قطر 2022، في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
يأخذنا السلّم الكهربائي إلى الأعلى، لنكون أمام ردهة تفضي إلى صالات، كل واحدة منها تهبط بسلاسة لولبية تبعاً للتصميم الذي اجترحه المعماري الإسباني خوان سيبينا، الذي أحاط المبنى الأسطواني بخمس حلقات، استلهمها من علم الألعاب الأولمبية، وحلقاته المتشابكة من حمراء وسوداء وزرقاء وخضراء وصفراء.
لا أحد يعرف متى اخترع البشر صيحة "3-2-1"، بدءاً من الرقم الأكبر إلى الأصغر، لانطلاق المنافسة الرياضية، لكنه يبدو قديماً قدم التاريخ الذي نطل عليه في الصالة الأولى. هذه السلسلة العددية، سواء من الأكبر إلى الأصغر أو بالعكس، هي المعيار الزمني النفسي المقبول للتنبيه والتحفيز والانطلاق.
هذه شاشات، من العملاقة إلى أخرى مختلفة الحجم والشكل، تقدم عالماً تفاعلياً. تطلب منا الشاشة لمس الخيار اللغوي والتفاصيل التي نبحث عنها، والمزودة بصور توضيحية متحركة للعوالم القديمة ومواد فيلمية معاصرة. يترافق مع ذلك كمية ثرية من المقتنيات الأصلية أو نسخ عنها، ومجسمات منحوتة بالحجم الطبيعي.
بعد أن نعبر الصالة التي تحفظ الشعلات الأولمبية، ستسوقنا الطريق إلى تذكارات كثيرة، من بطاقات بريد أولمبية، حتى قفازات محمد علي كلاي، وقصة مصورة "سوبرمان ضد محمد علي كلاي" بتوقيعه، وخاتم مُنح له وفيه ثلاث قطع ألماس، وتذكارات أخرى لبطل الكونغ فو بروس لي، وملصقات أولمبية، ودراجات وقمصان رياضية، وغيرها الكثير.
قبل كل ذلك، لا بد أن يعرفنا المتحف إلى رياضات قديمة، بعض منها ما زال يمارس حتى الآن، ضمن تراثات محلية، وبعضها صار جزءاً من ثقافة رياضية معاصرة، وبالتالي عرفت تغييرات تناسب عالم اليوم، ويقدم المعرض شروحاً لما مثلته الرياضة من تعبير ديني في تلك العصور، ومحاكاة للصيد، أو القتال، أو استعراض للقوة، (السياسية منها لاحقاً) وما أشبه من تمثيلات رافقت تشكل المجتمعات.

أفريقيا البداية

من أبرز ما قدمته لنا النقوش الصخرية القديمة، صورة أفريقيا التي اشتهرت بأنها مهد الإنسانية، ولكنها كذلك مهد الرياضة، فقد اكتشفت بعض أقدم الرسومات للألعاب التي عرفتها البشرية في نقوش ما يعرف الآن بدولة جنوب أفريقيا.
وعلى امتداد القرون، اشتملت الرياضات المتنوعة في القارة على منافسات القوارب المصرية في نهر النيل، ورياضات عسكرية متصلة في مملكة الكونغو. أما الثقافة الرياضية الغنية والمتنوعة في أفريقيا اليوم، فتضم ملاكمة الدامي، والقتال بالعصي لدى شعب نغوني (جنوب أفريقيا) والعدو لمسافات طويلة في كينيا.

الرياضة شرقاً

إذا ما ذهبنا شرقاً، نعثر على سبيل المثال على "البولو"، وهي من أقدم الرياضات الجماعية في العالم. وتتنازع على لقب "مهد البولو" العديد من الأماكن، بما فيها التيبت والصين والهند وآسيا الوسطى، ولكن يفيد العرض احتمال ظهورها لأول مرة في بلاد فارس في القرن الخامس قبل الميلاد، إذ تطورت من ألعاب مطاردة مارسها الرحّل في آسيا الوسطى، الذين اشتهروا بمهاراتهم في ركوب الخيل.

في الصين، قبل الميلاد بألف سنة، كانت تمارس هذه الرياضة على الحمير والبغال، وتبدأ المباريات قبل شروق الشمس كما تخبرنا النصوص الصينية، بينما وصلت الهند حوالي القرن الثالث عشر ميلادية، وأصبحت الرياضة المفضلة للمهراجات الأثرياء.

خيول اليابان

وفي اليابان، قبل حوالي ألف عام، كان ثمة سباق خيول اسمه "كورابيوما"، حدد له فصل الربيع في ميدنة كيوتو. تأخذنا الجولة إلى شبه الجزيرة العربية من 7000 قبل الميلاد إلى القرن 11 ميلادية، حيث تعود جذور الرماية والفروسية فيها إلى العصر الحجري الحديث، وعلى امتداد المنطقة الغنية في السعودية حالياً، تظهر مجموعة من أقدم النقوش الحجرية مشاهد لصيادين يحملون أقواساً وجعباً.
وإلى الأميركتين قديماً، نجد نماذج لممارسات رياضية على مدار قرون، ومنها الركض عند شعب تاراهومارا في المكسيك، حيث أدخل الركض لمسافات طويلة في حياتهم اليومية سواء للعب أو التنقل أو ممارسة الرياضة.
وفي أوروبا، لدى قومية السامي القديمة في النرويج والسويد وفنلندا وروسيا، في تلك المناطق التي يكسوها الثلج عادة، ازدهرت سباقات الناس الذين تجرهم غزلان فتيّة، يفضل أن تكون فتحات أنوفها كبيرة لاستنشاق أكبر كمية من الهواء.

أولمبيا

خصصت صالة عرض للألعاب القديمة في أولمبيا الإغريقية، والتي شكلت مصدر إلهام للألعاب الأولمبية الحديثة. كانت تنظم هذه الألعاب في مهرجانات، بدءاً من من عام 776 قبل الميلاد، تكريماً للإله زيوس، وتشتمل على شعائر دينية ومنافسات رياضية. ونظراً لأنه ينتظر من الرياضيين التحلي بمبادئ الجدارة والمثل الأخلاقية العليا، كانت تدور نقاشات فلسفية في إطار المهرجان.
وبعد ذلك بقرون، ألهمت هذه القيم الإغريقية النبيل الفرنسي بيير دي كوبرتان، لتأسيس الألعاب الأولمبية الحديثة، وجرى تنظيم أول دورة عام 1896 في العاصمة اليونانية تكريماً لها.

نطالع على الشاشة عبارة تفيد بأنّ الإغريق اعتقدوا أنّ الرياضة مرتبطة بروح الإنسان، هذه الروح تدفع إلى ممارسة ثلاثة أنواع من الرياضة: للجوائز والمال، وأخرى للفوز والشهرة، وثالثتها لتحقيق الذات.
أما الرياضة الأعز شأناً، فكانت السباق الخماسي التي اعتبرت رمزاً للمثالية الجسدية، وتشتمل على الركض ورمي الرمح ورمي القرص والوثب الطويل والمصارعة. وكتب الفيلسوف أرسطو: "يختلف الجمال بحسب العمر. عند رجل شاب يتكون الجمال من امتلاك جسد قادر على تحمل كلّ الجهود وهذا ما يجعل رياضيي السباق الخماسي الأكثر جمالاً".

مسيرة لاعبين

في الصالة الموالية، إطلالة على مسيرة أشخاص رسمت الرياضة معالم حياتهم، وسطروا رجالاً ونساء أسماءهم في ذاكرتنا الجمعية. ويبرز المتحف قصص هؤلاء النجوم، من بينهم المغربي هشام الكروج الملقب "ملك الميل" منذ مطلع التسعينيات، وهو الذي لم يجد بعد من يحطم رقمه القياسي في سباق 1500 متر (3 دقائق و26 ثانية سجله عام 1998) والقطري محمد سليمان الذي تطالع عبارته "سأُذكر دوماً أنني فزت بأول ميدالية أولمبية لقطر" مشيراً إلى فوزه بميدالية سباق 1500 متر في أولمبياد برشلونة 1992.

عاصمة رياضية عالمية

رسخت الدوحة موقعها، بسرعة، عاصمةً يشهد لها في تنظيم بطولات رياضية مهمة. نقطة الانطلاق تمثلت في دورة الألعاب الآسيوية عام 2006؛ إذ شهدت مشاركة 45 دولة في 424 منافسة موزعة على 39 رياضة.

بعيدا عن الملاعب

التحديثات الحية

جماهير كأس العالم في قطر 2022: مونديال سيكون تاريخياً

ترافق نجاح هذه الألعاب مع خطة تطوير البنية التحتية الرياضية، ومن ذلك إنشاء قبة التفوق الرياضي متعدد الرياضات (أسباير) والملاعب التي شيدت لمنافسات كأس العالم المقبلة.

نعود أدراجنا إلى حيث المخرج، ولكن قبل ذلك، نطالع الكرة الذهبية للاعب كرة القدم الشهير، ليونيل ميسي، كما هناك مساحة منطقة الـ 18، أو منطقة الجزاء، وحارس مرمى الذي يدعونا لأن نجرب حظنا بضربات ترجيحية. وحين نسأل عن كيفية إدخال هدف في شباك يحرسها رجل آلي، يقول الناصحون: حاول أن تسدد في الزاوية 90.