دفع مؤسّس "فيسبوك" مارك زوكربيرغ مؤخّراً بمفهوم "مستقبليّ" إلى دائرة الضوء، معلناً أنّ الشركة ستُصبح معروفة بـ"كونٍ جديد"، يعتمد على الـ"ميتافيرس" (Metaverse). اعتبر زوكربيرغ أنّ الـ"ميتافيرس" يمثّل مستقبل هذه الشبكة الاجتماعية. وقال في مقابلة مع موقع "ذا فيرج" الأسبوع الماضي: "آمل في أن ينظر الناس إلينا في غضون خمس سنوات، كشركة ميتافيرس، قبل أيّ شيء آخر". وكتب زوكربيرغ على حسابه الشخصي عبر "فيسبوك"، قبل أسبوعين: "لتحقيق رؤيتنا للميتافيرس، نحتاج إلى بناء النسيج الرابط بين (مختلف) المساحات الرقمية بغية تجاوز القيود المادية وإتاحة التنقل بينها بسهولة التنقل بين الغرف في المنزل". هذا وأبدى كثيرون، بينهم الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت" ساتيا ناديلا، اهتمامًا كبيرًا بـ"ميتافيرس" ونيّتهم الإنفاق والاستثمار في هذا المجال.
"ميتافيرس" هو في الأساس المرحلة المُستقبلية، تحديدًا مرحلة ما بعد الإنترنت أو ما الذي سيأتي بعد الإنترنت. إنها مساحة افتراضية حيث يمكن للبشر - المرتبطين بالعالم المادي - العمل باستخدام الصور الرمزية التي تعمل بالواقع الافتراضي والمعزز وتوجد في كلا المكانين، بحيث يفقدون الاتصال بما هو حقيقي وما هو غير حقيقي. وفي الـ"ميتافيرس"، أو "الكون الماورائي"، يمتزج العالمان الحقيقي والافتراضي إلى حد الاندماج. وهو مفهومٌ طوره نيل ستيفنسون، في رواية الخيال العلمي "سنو كراش" عام 1992، وهو عبارة عن فضاء إلكتروني موازٍ للواقع المادي، يستطيع المستخدمون التلاقي فيه بهدف التفاعل أو المناقشة أو حتى الترفيه، ويتخذون لذلك شكل صور رمزية تمثلهم، أو ما يعرف بالـ"أفاتار".
في الـ"ميتافيرس"، أو "الكون الماورائي"، يمتزج العالمان الحقيقي والافتراضي إلى حد الاندماج
والفكرة موجودة في عالم الألعاب والخيال العلمي منذ زمن، كما هو الحال في Animal Crossing وRoblox. ومن الأمثلة الأكثر شيوعًا هي سلسلة أفلام الـ matrix الشهيرة. و"مايتريكس" هو فيلم خيال علمي صدر عام 1999 كتبه وأخرجه واتشوسكي (لانا وليلي). الفيلم بطولة كيانو ريفز ويصوّر مستقبلًا بائسًا تُحاصر فيه البشرية عن غير قصد داخل واقع محاكاة يُسمّى بالمصفوفة والتي ابتكرتها الآلات الذكية لإلهاء البشر أثناء استخدام أجسادهم كمصدر للطاقة. عندما يكشف مبرمج الكمبيوتر توماس أندرسون، تحت الاسم المستعار للقرصنة "نيو" الحقيقة، ينجذب إلى تمرد ضد الآلات جنبًا إلى جنب مع أشخاص آخرين تم تحريرهم من المصفوفة.
يوفّر "ميتافيرس" هروبًا مرغوبًا فيه من كل ما هو غير مرغوب، أي هروبٌ من الواقع البائس الذي بات في الآونة الأخيرة حلمًا للكثيرين. فخلال جائحة كورونا مثلًا، كان معظم الناس حول العالم يقضون وقتهم على الإنترنت، مع استخدام أكبر للمنصات الرقمية، بعيدًا عن التفاعل البشري العادي. لذا، فإنّ الجائحة، يضاف إليها بعض الأزمات السياسية والصراعات كالانتخابات والحروب، وحتى التغير المناخي، وغيرها من العوامل، جعلت الهروب من الواقع "حاجةً" و"فكرة سديدة وجذابة".
يُريد زوكربيرغ الانتقال إلى هذه المرحلة تحديدًا، بمساعدة شركة Oculus للواقع الافتراضي وشبكة VR Facebook Horizons في هذه المهمة، كما "إنستغرام". وعلى الرغم من أنّ "ميتافيرس" لن ينتمي إلى شركة واحدة فقط، سيكون مساحة تعاونية مع لاعبين متعددين، تمامًا كما هو عمل الإنترنت حاليًا.
تضمّ "فيسبوك" تحت مظلتها شركات ومنصات عدة، بينها "إنستغرام" و"واتساب" اللتان تعتبران من الأكثر رواجًا في العالم، لكنّ الشركة باتت تواجه حركة أخف وأقل نشاطًا من ناحية المستخدمين والاهتمام بتطبيقها الأزرق، مقارنةً مع "إنستغرام". لذلك، يُعوّل زوكربيرغ على الـ"ميتافيرس" ليكون مُنقذ "فيسبوك"، وفي الوقت عينه، ليكون فرصة هائلة للمبدعين والفنانين؛ وللأشخاص الذين يعيشون في أماكن تكون فيها فرص التعليم أو الترفيه محدودة.