ما لا نرضاه لنوال الزغبي

01 يوليو 2024
غضب من تصريحات نوال الزغبي في مهرجان موازين (فيسبوك)
+ الخط -

تُوصف المغنية اللبنانية نوال الزغبي بالذهبية، ما يحيل إلى مقولات شعبية راجت وشاعت بأن الناس معادن، وإذا كانوا كذلك فثمة معدن نفيس وآخر زهيد، كما أن هناك حجراً كريماً، وآخر يُركل بالأحذية حين يتعثر به شخص غاضب. عثر كاتب المقال بالصدفة على تصريحات للزغبي على هامش مشاركتها في مهرجان موازين إيقاعات العالم المغربي، فانتابه الغضب، وفكّر في أن يخرج ويمشي حتى يهدّه التعب، وإذا تعثّر بحجر ركله، بمعدن غير نفيس ألقى به في حاوية النفايات، لكنه تذكّر أن الزغبي تظل "ذهبية"، ولو في الوصف على الأقل، فسعى جاهداً لتنفيس غضبه بوسائل أخرى. 

ملخص ما قالته النجمة اللبنانية أن على الحياة ألّا تتوقف لأن هناك حرب إبادة في غزة، فالحروب في المنطقة متواصلة منذ سنوات، والحال هذه فإن المقاطعة لن تساهم في حل الأزمات. لقد وقفنا في بداية الحرب وتضامنًّا، لكن لم نعد نستطيع أن نوقف حياتنا وعملنا، بل نستطيع أن نساعد من المكان الذي نحن فيه، بصوتنا، بعملنا، وبأشياء كثيرة، ومنها كما قالت إنها من أوائل النجمات اللواتي تضامنّ مع غزة بتقديمها أغنية عن القدس (!)، كذلك نظّمت عدداً من الحملات الخيرية في مصر لدعم المرأة الفلسطينية، ولكنها لم تعلن ذلك لأنها لا تحب "فكرة التباهي".

قالت ذلك بالعامية بالطبع، وفي ظني أن ثمة من صفق لها، ومن نظر إليها مفتوناً، ما يعني أن النقاش معها، لو حدث خلال مؤتمرها الصحافي، سيكون خارج السياق الذي تتحرك فيه الفنانة وجمهورها. فما معنى أن يذكّرها أحد الصحافيين بأن أغنيتها عن القدس تعود إلى عام 2000، أي إلى ما قبل 23 عاماً من حرب الإبادة على غزة، وبأن رأيها في مفهوم التضامن قد يكون صحيحاً، ولكنها أدرجته في سياق جزئي وبغرض التبرير لا التوضيح، فصحيح أن الفنان يتضامن بالأدوات التي يعرفها، وصحيح أنها غير مطالبة بغير ذلك، ولكن هذا وذاك يغفلان أنها هي نفسها شاركت في دعاية لمُنتج مقاطَع، بُثّت بينما كان الغزّيون يُقتَلون، ليس لأن الحياة يجب ألا تتوقف، ولكن لأن العائد المادي الذي تلقّته كبير ومغرٍ، رغم أن توقيت البث فيه انحياز فاضح ووقح لطرف على آخر، والطرف الأخير بالمناسبة هو من يُقتَل ويُباد ومن بكت من أجله الفنانة "الذهبية" كما قالت.

 لم يدعُ أحدٌ الفنانين إلى أن يكونوا أبطالاً، يلبسون الزي المرقط ويحملون الرشاشات، ويتدافعون لعبور الحدود للدفاع عن الغزّيين، كما لم يطالبهم أحد بالتوقف عن الغناء، بل إظهار بعض التعاطف "إذا اضطُروا"، ومحاولة الانسجام مع ما يفترض أنها مسؤوليات أخلاقية (تعاقدية) إزاء جمهورهم. لم نسمع أو نقرأ عن اقتحام مناصرين لغزة فندقاً في المنطقة أُقيمت فيه حفلة غنائية، كذلك فإن رافضي إقامة المهرجانات الفنية لم يطالبوا الفنانين المشاركين فيها بتعطيل حياتهم والتوقف عن إنتاجهم من أجل غزّة، ما داموا قد شاركوا وانتهى الأمر، بل أن يحاولوا تمرير موقف أو أغنية أو حتى مجرد إشارة تؤكد تضامنهم مع الغزّيين، لا من أجل الغزّيين فقط بل من أجل الحفاظ على التعاقد الضمني مع جمهورهم بأنهم يُعنَوْن بما يعنيه ويهتم به ولو جزئياً.

نجوم وفن
التحديثات الحية

كان بإمكان الزغبي، وقد لبست فستاناً أحمر في حفلة موازين، تقديراً منها للون العَلَم المغربي كما قالت، وهذا يعني فهمها للعلاقة التعاقدية مع جمهورها، أن تتوشح بالكوفية الفلسطينية ولو لدقائق، خلال مؤتمرها الصحافي أو حفلتها، أو تعيد أداء أغنيتها عن القدس، أو تطالب جمهورها بالوقوف دقيقة صمت من أجل غزة الذبيحة ونسائها الثكالى التي قالت إنها نظمت حملات خيرية من أجلهن لم يسمع بها أحد، لكنها لم تفعل شيئاً من هذا. 

أما لماذا الغضب؟ فليس لأنها لم تفعل ما سبق ذكره، بل لأنها تحدثت بما يتعارض مع مواقفها الحقيقية، وأظن أنها قرأت ما كتبه إيدي كوهين من تهديد باجتياح بلادها، بل ووعده بالسهر معها في مطعم كرم في برمانا بمعية نجوى كرم ووائل كفوري، فالحياة لا تتوقف أيضاً بالنسبة إليه، ونقصدُ قتل الغزّيين وسواهم أيتها الذهبية التي لا نرضى لها أن تجالس كوهين أو تنادمه، لا لشيء إلا لأن الناس معادن كما قالت العرب.

المساهمون