صدرت أخيراً مذكرات المغنية الأميركية ماريا كاري، بعنوان "معنى ماريا كاري" The Meaning of Mariah Carey. نكتشف في العمل الجوانب المختلفة لحياة كاري، كطفولتها في السبعينيات التي شهدت خلالها عنفاً عنصرياً، لكونها من خلفية عرقيّة مختلطة (أسود، لاتيني، أيرلندي)، كذلك نكتشف علاقتها مع الغيب، وتلك العلامات التي تنتظرها وترشدها إلى تحقيق أحلامها، مُتبعة نصيحة جدتها التي كانت تعمل خطيبةً في الكنيسة.
شاركت الناشطة والمخرجة والكاتبة ميكايلا أنجيلا دايفس في كتابة المذكرات، لنرى أنفسنا أمام تجربة ذاتيّة وشعريّة تعكس صورة عن الفقر والأذى اللذين مرّت بهما كاري، ورحلتها إلى النجوميّة، والتمييز الذي تعرضت له، خصوصاً أن لونها الفاتح جعلها محطّ سخرية وعنف أقربائها وأخوتها ذوي الألوان الأغمق، إذ نكتشف تنقلاتها بين والدها ووالدتها المطلقين، وطبيعة العلاقة معهما، ومع أقربائها الذين وصل بهم الأمر إلى اتهامها بأنها قذرة تهمل شعرها "القبيح"، وهذا ما لا يمكن تصديقه حالياً عند مشاهدة كاري وحضورها على الخشبة.
كان لوالدة كاري، مغنية الأوبرا المحترفة، دور كبير في دفع الفتاة وتمرينها وجعلها جزءاً من عالم الموسيقى التي كانت تُعزف وتُناقش في منزل والدتها. ونقرأ أيضاً عن زواج كاري بتوني موتولا، المدير التنفيذي لشركة سوني، الذي كان أول من وقّع عقد معها حين استمع إلى شريط كانت قد سجلته، لنكتشف سميّة العلاقة بينهما، وكيف هربت منه بعد أن كانت حسب تعبيرها "أسيرة صوته" الذي يحيط بالمنزل، وخصوصاً أن هناك اتهامات لاحقتها بأنه العبقري وراء موسيقاها، وهي ليست إلا أداة في يده، بالرغم من محاولتها إثبات عكس ذلك، وهذا ما تحاول تقديمه في الكتاب.
هكذا، ندخل إلى جوهر العملية الإبداعية التي تمارسها كاري والتمارين المختلفة التي جعلتها ما هي عليه الآن، فهي تستمع إلى الموسيقى كل يوم، وتتمرن على الكتابة، كذلك تصغي إلى موسيقى من تحبهم دوماً، سواء كانوا مغني هيب هوب معاصرين، أو أريثا فرانكلين التي تعتبرها قدوتها.
يتضح في الكتاب أن كاري، حسب وصفها، تمتلك علاقة مقدسة مع زملائها الموسيقيين، إذ لا تشير في الكتاب إلى خلافات على المال أو المبيعات أو الحقوق، في حين أن الأمر مختلف في علاقتها مع المحيطين بها من مساعدين، حسب ما نرى في وسائل الإعلام. كل هذا سببه رغبتها في أن تؤدي للمعجبين بأفضل شكل ممكن، أو تضمن لهم جمالاً ومتعة وتسلية بأقصى صورة تستطيع تقديمها.
هذه العلاقة بين حياة ماريا الشخصية وحياتها الموسيقية، تظهر بأسلوب جديد داخل النص، وكأن موسيقاها تلتقط آلامها الذاتية، لكنها ليست محورها، وهذا ما نراه في بعض الجمل والعبارات المكتوبة بالخط المائل، التي نكتشف أنها كلمات لأغانيها، ما يكسب الكتاب طابعاً آخر، إذ يمكننا في أثناء القراءة استحضار الأغنية في عقلنا وربطها بالحدث أو الحكاية التي يتم سردها.
لا يشبه الكتاب ما نعتاد قراءته من سير المشاهر المليئة بالإشاعات والفضائح، هو أشبه باكتشاف ذاتي، نتعرف فيه إلى شخص ماريا وحياتها وعلاقتها مع الموسيقى، إذ تقول إنها بدأت بالكتاب منذ عشر سنوات حين كانت حاملاً، وترى أنه تجربة تطهيريّة، تكشف فيها عن جوانب ضعفها وتكوينها، مقدمةً صورةً لا نعرفها عن ماريا، الطفلة، التي ناضلت وكافحت لتصل إلى ما هي عليه.
صاحبة 19 أغنية رقم واحد على الجداول العالميّة، كتبت منها 18، وكأن الموسيقى ليست فقط تعبيراً عن الذات، بل حرفة تتقنها ماريا، وأدخلتها في نظام السرد، ضمن الكتاب الذي تكشف نسخته المسجلة/ الصوتيّة أكثر عن علاقتها مع الموسيقى، وهذا ما يتضح في أسلوب لفظ الكلمات، وكيفية دمجها مع أغنيات ماريا.
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
