ماذا بين "ملك المهرجين" وهتلر؟

24 يونيو 2023
الزعيم النازي قصد غرفته وراء الكواليس، وحضر عروضه 13 مرة (جيمس إي. آبي/Getty)
+ الخط -

 

جعل المهرّج غروك العالم كله يضحك، وضاهى نجاحه ذلك الذي حققه تشارلي شابلن في السينما، لكنّ متحفاً سويسرياً يسعى إلى استكشاف جانبه المظلم وعلاقاته الغامضة بالزعيم النازي أدولف هتلر.

فمتحف بيل الجديد استحوذ، في مايو/أيار، على نحو ألف من المقتنيات والمحفوظات العائدة إلى الفنان السويسري أدريان فيتاخ، وهو الاسم الحقيقي لغروك، من بينها آلات موسيقية كالكونسرتينا التي اشتهر بها، وقلنسوته وملابسه المسرحية. وضمن المجموعة الضخمة التي تبرّع بها قريبه ريموند نايف (74 عاماً) للمتحف الواقع في مسقطه بيل شمال غرب سويسرا، عدد من المحفوظات الصوتية، من بينها تسجيلات لعروضه، إضافة إلى صور ورسائل ونوتات موسيقية. أما الآلات والملابس المسرحية فتبرعت بها عائلة كني الشهيرة في عالم السيرك.

لكن المتحف لم يشأ تنظيم معرض من دون دراسة الجوانب الغامضة في مسيرة الفنان الذي عُرف بكونه رجل أعمال بارعاً. وأكدت مديرة متحف الفن والتاريخ، برناديت فالتر، أن هذا الأمر "نابع من مسؤولية المتحف" وهو "ضروري جداً".

نشر أدريان فيتاخ عدداً من السير الذاتية، وأصدر قريبه كتاباً ونظم معرضاً عنه عامي 2002 و2003، لكنّ أيّ مؤرخ لم يدرس طبيعة صلاته بالنازيين. وأشارت فالتر إلى أن "غروك يروي في سيرته الذاتية أن هتلر جاء إلى غرفته المخصصة لتبديل الملابس، وحضر عروضه 13 مرة"، لكنها سألت عن حقيقة الأمر فعلياً. المتحف لم يلحظ رفض التبرع، حتى لو كان ذلك يعني إجراء عمل بحثي مهم، قارنته بالأبحاث التي تجريها المؤسسات الثقافية في شأن الأعمال الفنية التي سرقها النازيون.

وشددت فالتر على أن من واجب أي متحف "أن يروي أيضاً قصصاً ليست دائماً إيجابية". وحاول المتحف تالياً، خلال مزاد عبر الإنترنت نظمته دار هيرمان هيستوريكا، في 12 مايو، الاستحواذ لأغراض بحثية على برقية تهنئة بعيد رأس السنة أرسلها غروك إلى هتلر عام 1942.

وأضافت فالتر: "نعلم أنه التقى هتلر و(وزير دعاية الرايخ الثالث جوزف) غوبلز"، وأنه قدم عرضاً أمام جرحى الحرب الألمان، لكنها أشارت إلى أن ثمة حاجة لمعرفة آرائه السياسية الحقيقية. وأفادت بأنه قدّم عروضاً في ألمانيا قبل تولّي النازيين السلطة، موضحة أن المتحف يرغب كذلك في معرفة ما إذا كان قد بادر إلى تعديل برنامجه. ولاحظت أنه كان يقول دائماً إنه بعيد عن السياسة، وأن سيرته الذاتية تتناول عروضه في إنكلترا وفرنسا والولايات المتحدة. وشرحت أنه "كان يقدم عروضه عندما يُدفع له". وأضافت: "نعلم أن غروك كان انتهازياً، لكن هذا ليس عذراً له".

وأكد الصحافي لوران ديركسن الذي أصدر عام 1999 كتاباً عن غروك أن الأخير الذي كان بهلوانياً وعازفاً على أكثر من آلة "لم يكن يأبه بالسياسة"، بل كان همّه الأساسي "نجاحاته". وقال: "لا يمكننا الحكم عليه بناء على رسالة واحدة أو فعل منفرد أو معلومة خارجة عن سياقها".

وكان غروك، المولود في منطقة جورا الناطقة بالفرنسية في كانتون برن عام 1880، يُعدّ من أهم المهرّجين الموسيقيين في القرن العشرين، وكان يوصف بـ"ملك المهرّجين"، وانتشرت اسكتشاته الهزلية في مختلف أنحاء العالم. واختار اسمه المستعار في مطلع القرن العشرين، عندما حل بديلاً لرجل يُعرف بـ"بروك"، كان عضواً في فرقة "بريك أند بروك" الثنائية الشهيرة في تلك الحقبة.

وقال قريبه إنه "جلب الضحك في عصر لم يكن فيه الكثير مثيراً للضحك"، مذكّراً بأن علاقات غروك بالنازيين كانت سبباً لمشاجرات عائلية. لكنه أكد حرصه على أن تبقى مجموعته متاحة لأغراض البحث التاريخي ولعرضها ربما ذات يوم، مشدداً على ضرورة الفصل بين الفنان وأفكاره. وخلص إلى القول: "لا يجوز هدم المنازل التي بناها المهندس المعماري لو كوربوزييه لمجرد أنه كان أيضاً فاشياً إلى حد ما".

(فرانس برس)

المساهمون