هل يحق لشركة إنتاج درامي التعديل على نص كاتب مسلسل ما، من دون الرجوع إليه وموافقته؟ سؤال يُطرح في كل مرة تخرج إلى الإعلام حكايات عن سرقة، أو تعدٍّ على سيناريو لكاتب، خصوصاً بعدما شهدت الآونة الأخيرة سلسلة من الاتهامات التي أطلقها كُتّاب تجاه شركات إنتاج، تتعلّق بالتعدي على نصوصهم. وكثيراً ما نسمع، سواء في الكواليس أو العلن، عن خلاف بين شركات الإنتاج والمؤلفين، بسبب ما يصفه الكتّاب بـ "قلة أمانة المنتج".
الكاتب السوري البريطاني بيتر صموعة، مؤلف مسلسل "رقصة مطر"، لم يكن آخر الضحايا، بعد أن انتشرت أنباء تؤكد أنه تبرّأ تماماً من أول مسلسل تُنتجه له شركة "سيدرز آرت برودكشن" (الصبّاح إخوان) اللبنانية. يعمل بيتر صموعة صانعاً ومطوّراً للمحتوى في منصة "إتش بي أو" HBO الأميركية.
وكان قد أعدّ نصّاً يرتقي إلى مستوى بحثي ووثائقي، وقدمه إلى شركة الصبّاح التي وافقت على إنتاجه. قدم المؤلّف، في نصّه، تفاصيل خاصة على مستوى السرد والأحداث والشخصيات. لكنّ المخرج جو بو عيد، بالاتفاق مع الممثل مكسيم خليل، عدّلا النص، بعد أن رفض صموعة اقتراحات خليل على دوره في المسلسل، معتبراً أن أي تعديل يسبب ضرراً على المحتوى والسياق العام للسيناريو والقصة.
كان مكسيم خليل يريد تحويل شخصية "بسام القاضي"، الموسيقي المرهف في "رقصة مطر"، إلى قاتل متسلسل، وهذا لا ينسجم مع منطق الشخصية والخلفية التاريخية. وعلمت "العربي الجديد" بأن صموعة كان قد أرسل إلى منتجة المشروع لمى الصباح، والمنتج الفني السوري في الشركة، فراس العمري، رافضاً التعديلات وموضحاً الأسباب. لكن الشركة لم تُعر الأمر اهتماماً.
أخيراً، استعانت الشركة ببشار مارديني الذي يعمل على تفريغ المشاريع الدرامية من محتواها الفنّي. مارديني عمل على تعديل النص من دون الرجوع إلى صاحب القصة، بيتر صموعة، وفهم ماهيتها وحيثياتها وشخوصها. ليست المرة الأولى التي يُكلَّف فيها مارديني مثل هذه المهمة. قبل سنتين، عمل على خرق نص مسلسل "من الآخر" (إياد أبو الشامات – شارل شلالا)؛ إذ اعترف بأنّه كتب آخر عشر حلقات من المسلسل، في الوقت الذي كانت الشركة تطالب أبو الشامات بإرسال الحلقات كالمعتاد، حتّى لا يظنّ أنّ أموراً تحدث في الخفاء. آثر الكاتب إياد أبو الشامات الصمت، ورفض التعاون مع الصبّاح رغم عرض المسلسل.
بالعودة إلى مارديني، كان الكاتب قد انتهى قبل سنوات من العمل على مسلسل عنوانه "ألماس" لقناة OSN، وكان من المقرر أن يتولى العمل المخرج السوري مروان بركات. بيد أنّ تقارير قرّاء قناة OSN كانت سلبية تجاه المقترح، ورفض العمل بعد أن حصل على تقييم متدنٍّ، وبالتالي أعيد المشروع لمارديني لضعف "الورق" فنيّاً ودرامياً، ما يطرح علامات استفهام حول المغزى من عمل مارديني في شركة الصبّاح.
مسلسل شركة الصبّاح مع الكتّاب استمر هذا العام، إذ أُقحم مارديني، قبل أشهر قليلة، كشريك للكاتب سيف رضا حامد، في مسلسل "بيروت 303". أما نص "من إلى" الذي خرج من السباق الرمضاني، فأقصت الشركة الكاتب بلال شحادات من العمل عليه، بسبب خلافه مع المخرج مجدي السميري والممثل قصي خولي، لتأتي ببشار مارديني هذه المرة أيضاً، رغم علاقة المودة التي تربطها ببلال شحادات منذ سنوات طويلة.
في ما يخص نص "بيروت 303"، علمت مصادرنا بأن الممثل عابد فهد ينوي الاستعانة بالكاتب حازم سليمان، لاستكمال المشروع في سيناريو مشابه لما فعله فهد بالكاتبة سلام كسيري، مؤلفة "الساحر". حينها، لم يستجب فهد لاتصالات كسيري، وأُقصيت هي الأخرى من المشروع، واستُبدلت بالكاتب حازم سليمان، لكي ينفّذ رؤية عابد فهد، وهي الرؤية نفسها التي سبّبت انسحاب كل من خالد القيش وسامر إسماعيل من مشروع مسلسل "شتي يا بيروت" (بلال شحادات وإيلي السمعان)؛ فوجئ الممثلان بـ "صغر مساحة دورهما، وتفصيل القصة على مقاس عابد فهد الذي كان يتدخل في التأليف، رغم وجود متابعة درامية للمشروع، متمثلة بميرا الكوسا والمخرج إيلي السمعان".
لشركة الصباح تاريخ طويل من الصراعات مع الكتّاب، بدءاً من هوزان عكّو المؤلف الأصلي لمشروع "الهيبة"، وصولاً إلى الكاتبة ريم حنّا التي كانت المؤلّفة الأولى لمسلسل "طريق"، قبل أن تُقصى من المشروع بسبب خلافها مع الممثلة اللبنانية نادين نجيم على مساحة دور الأخيرة.
تلك القصص تفتح الباب أمام التفكير في مجموعة من القوانين والأنظمة التي يجب أن تسنّ لحماية حقوق الكاتب الأدبية والمعنوية. ففي إيطاليا، مثلاً، يعتبر تغيير أي حوار أو أي تعديل على النص، من دون الرجوع إلى الكاتب، جريمة يعاقب عليها القانون، وقد تصل إلى حد السجن لعامين، فضلاً عن غرامات مالية. تستند نصوص القوانين إلى منظمة الـ World Intellectual Property Organization، وهي المنظمة العالمية لحماية الحقوق الفكرية. القانون يقول إن الكاتب يتنازل عن حق استثمار المشروع لفترة زمنية محددة، ولا يتضمن هذا تنازلاً للشركة عن الحقوق الفكرية والأدبية والمعنوية. وإذا لم تستثمر الشركة المشروع خلال المدة المتفق عليها، حينها يسترجع الكاتب حقوقه، ويصبح حرّ التصرف بالمشروع من دون أي التزام مالي.