لوحة أصل العالم... تاريخ الفن يعود إلى مكانه

09 مايو 2024
الفنّان الفرنسي غوستاف كوربيه (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- لوحة "أصل العالم" لغوستاف كوربيه تعكس أهميتها الثقافية وتاريخها المعقد، من طلبها من قبل باشا عثماني إلى استقرارها في متحف أورسي بباريس عام 1995، وتجاوزت شهرتها لتصبح موضوعًا للدراسات الفنية والنسوية.
- امرأتان كتبتا "Me Too" على اللوحة خلال عرضها بمتحف بومبيدو فرع ميتز، في عمل احتجاجي نظمته ديبورا دي روبيرتس، مما يسلط الضوء على إعادة امتلاك تاريخ الفن وتحدي الصور النمطية الجنسية.
- تثير الأحداث تساؤلات حول فعالية الاحتجاج وقدرته على إحداث تغيير في مجتمع يسيطر عليه الرجال، مع النقاش حول كيفية مواجهة التحرش والتمييز الجنسي بطرق تحترم الفن وتساهم في التقدم الاجتماعي.

لا جدل أن لوحة أصل العالم للفنان الفرنسي غوستاف كوربيه واحدة من أشهر اللوحات في تاريخ الفن. العمل الذي لا تتجاوز أبعاده نصف متر مربع، ويمثل ما نتحاشى ذكره في اللغة الصحافية، كما أنه محط الأبحاث التاريخية والفنية والنسوية، ونظريات المؤامرة أيضاً.
اللوحة التي يحتضنها متحف أورسي في باريس، طلبها من كوربيه منتصف القرن الثامن عشر باشا عثماني كان يقيم في باريس، هو خليل شريف باشا. وانتقلت ملكيتها لاحقاً إلى المحلل النفسي الشهير، صاحب نظرية التحديق، جاك لاكان، وبعد رحيله استقرت في المتحف الباريسي عام 1995.

كثير من الجدل يلفّ لوحة أصل العالم لا مكان للخوض به، لكنها تعرضت إلى ما يمكن تسميته، بـ تخريب/احتجاج/ بيان فنيّ/ فن أداء، إذ كتبت امرأتان كلمة Me Too على اللوحة (المحميّة بالزجاج المضاد للرصاص)، التي كانت معارة لمتحف بومبيدو، فرع مدينة ميتز.
نظمت هذا "الأداء" المصوّرة ديبورا دي روبيرتس (Deborah de Robertis)، التي سبق لها أن تعرت بفحش تحت لوحة أصل العالم في متحف أورسي سنة 2014، في محاولة لطرح أسئلة حول الحياء العام. واعتقلت امرأتان بعد "الأداء"، الذي "خربتا" أثناءه لوحات أخرى. ويظن المتحف أن هناك امرأة ثالثة سرقت قطعة للفنانة آنيت ميساجير (Annette Messager).

الفنانة الفرنسية ديبورا دي روبيرتس صرّحت بأنها من نظمت هذا الأداء تحت اسم "لا يمكن فصل المرأة عن الفنان"، وأشارت في رسالة مفتوحة إلى أن الهدف هو "إعادة امتلاك تاريخ الفن"، واتهام ستة رجال في عالم الفن بوصفهم "متحرشين" و"يمارسون الرقابة".
لا يمكن تجاهل أن هناك عملاً فنياً مسروقاً في ظل "الأداء" السابق، الأمر الذي يهدد مقاربته كشكل من أشكال فن الأداء، وفضح المتحرشين في عالم الفن، خصوصاً في فرنسا، التي أوقف فيها النجم السينمائي جيرارد ديبارديو بتهم الاغتصاب والتحرش، بعد كثير من النقاش الذي انضم إليه الرئيس الفرنسي ماكرون نفسه، واصفاً ديبارديو بـ"كنز وطني".
هذا اللبس حول الأداء (ربما السرقة)، يضاف إلى تاريخ لوحة أصل العالم التي لطالما نظر إليها كتمثيل واضح لعملية "التحديق" اللاكانية، تلك التي ربما استوحى منها لاكان نظريته الشهيرة، فضلاً عن أن فحشها متعمد، في محاولة لإعادة النظر في الجماليات التي تفرض على جسد المرأة وشكله "المثالي" ضمن المتخيل الذكوري.
لكن، هل تغطية عمل فني وتخريبه هما هدف حركة Me Too؟ نعلم أننا أمام جهد جمالي يدخل ضمن "تاريخ" اللوحة، لكن حركة Me Too نفسها، بما أنها غير مركزية وأقرب إلى أن تكون تياراً ثقافياً/ اجتماعياً، تتركنا أمام حيرة وعجز عن الجزم بدقة كيف يمكن قراءة هذا العمل، وكيف سيفيد النساء رمزياً، خصوصاً أن لوحة في متحف ليست أشد ما يهدد النساء الآن، في زمن حبوب أوزيمبك و"إنستغرام" وفلاتره.

حتى إن لم نسلّم بأن المخاطرة/ الأداء تتعلق بتاريخ الفنّ نفسه، وليس بما يحدث حالياً، فإن "أصل العالم" واحدة من اللوحات التي نعرف تاريخها بدقة، ودورها النسويّ في تحرير جسد المرأة من مثاليات الجسد الأملس الأبيض، بل حتى نعلم من هي الشخصية وراء "أصل العالم". هناك جدل أنها لوحة لأنثى رسمها رجل، لكن دورها النسوي أكبر من أن يقيّد بجنس من رسمها.
سواء كنا نتحدث عن تاريخ الفن أو فضح المتحرشين، لم تعد هذه الأشكال من الاحتجاج فعالة، إذ تنتهي دوماً بالاعتقال أو الغرامة، ثم قيام عمال المتحف بتنظيف زجاج اللوحة، إضافة إلى بعض الضجة الإعلامية، ليعود تاريخ الفنّ إلى مكانه؛ أي في حوزة المتاحف.

أما الرجال المتحرشون وفضحهم، فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام سباقة في إطلاق الفضائح، فهل إدانة متحرش تتم عبر عدم ذكر اسمه وفضحه والاكتفاء بتخريب لوحة فنيّة؟

المساهمون