لمى غوشة... صحافية وأم تحت الإقامة الجبرية

20 اغسطس 2024
اتجهت إلى الرسم للتخلّص من عبء الإقامة الجبرية (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تجربة لمى غوشة**: يعرض المعرض تجربة الصحافية الفلسطينية لمى غوشة خلال فترة حبسها المنزلي في حي الشيخ جراح، حيث قضت عشرة أشهر تحت الإقامة الجبرية، ويضم 31 لوحة تعكس يومياتها ومشاعرها.

- **معاني الحرية والقهر**: تعبر اللوحات عن مفهوم الحبس المنزلي كقيد إلكتروني، وتبرز مشاعر القلق والعزلة والخوف، مع ظهور شخصيات مثل حنظلة والشاعر محمود درويش.

- **التفاعل والتوثيق**: يشتمل المعرض على غرفة تفاعلية ويهدف إلى تسليط الضوء على معاناة المقدسيين تحت الحبس المنزلي، مع بحث بعنوان "سوسيولوجيا الحبس المنزلي" حاز جائزة إبراهيم الدقاق.

"أم تحت الإقامة الجبرية.. من جاء ليرى معرضاً فنيّاً يُقيّمه وينقده حسب معايير فنيّة صرفة، فلربما هو في المكان الخطأ. بين الجدران يعود الفن بسيطاً مُتاحاً، غير متكلف، وغير مكترث بتعقيدات المشهد الفني. هنا ينزل الفن من أبراجه العاجية ويغدو تعبيراً حرّاً حميماً، يبوح باختلاجات النفس عندما تسجن الروح".
بهذه العبارات، اختصرت الكاتبة والمخرجة الفلسطينية، ليلى عباس، حكاية معرض اللوحات التي تعكس يوميات على مدار عشرة أشهر قضتها الصحافية الفلسطينية المقدسية، لمى غوشة، حبيسة منزلها بقرار الاحتلال، مُرفِقة كل لوحة بنص، مؤكدة كونها صحافية بالمقام الأول، دافعت عن الكلمة ودفعت ثمنها.
تحاكي تجربة الصحافية لمى غوشة بوصفها أماً في الحبس المنزلي الذي فرض عليها في بيت عائلتها الكائن في حي الشيخ جراح بالقدس، منذ الرابع من سبتمبر/أيلول 2022 وحتى يوليو/تموز 2023، إذ يضم 31 لوحة رُسمت داخل جدران البيت، في محاولة من مبدعتها لكسر حاجز الصمت، بسبب الحبس المنزلي بكونه أداة عقابية استعمارية متوارثة من الاحتلال البريطاني، مشروطاً بقرار منع الاتصال والتواصل، لعزلها عن المحيط الاجتماعي، والحيّز الافتراضي، ما أدى إلى تشويه صور البيت، ونزع خصوصيته مكاناً للوجود والامتداد الفلسطيني، حين يتحوّل إلى سجن.
تجسّد لوح "حجر الحريّة" معنى الحبس المنزلي (الإقامة الجبرية)، فيشترط الاحتلال وجود قيد إلكتروني يُربط بقدم الأسيرة أو الأسير، حتى يسهّل عليه عملية مراقبته أمنياً والسيطرة على تحركاته. ففي حال خروجه من حدود المنزل، يعطي السوار الإلكتروني (الأزيك باللغة العبرية) تنبيهاً للمسؤولين من إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية لإعادة اعتقال الحبيس أو معاقبته، وهنا يبرز البيت مكانَ قهرٍ واحتجاز، وليس مساحة أمان وراحة.
أما "تأملات في معنى الحرية"، فتجسد رحلة بحث غوشة وتساؤلاتها عن "المعنى الحقيقي للحرية في السياق الاستعماري الذي تعيشه فلسطين المحتلة"، وكان ذلك عبر تجربتها في السجن الفعلي، والحبس المنزلي، وسجن المجتمع، فيما كانت "زنزانة في بيتي" أول لوحة ترسمها غوشة، بعد شهر من حبسها المنزلي، وتحكي مشاعر القلق، والخوف، والعزلة، والإقصاء، والغربة التي يمثلها مفهوم "الحرية المجتزأة أو المشروطة"، وكأن الزنزانة باعتبارها مكان احتجاز عنيف وقمعي انتقلت معها من السجن إلى أكثر مكان حميمي بعد الوطن، أي "البيت".
كان لافتاً حضور حنظلة، شخصية فنان الكاريكاتير الفلسطيني الشهيد ناجي العلي، في عدد من رسومات غوشة، فضلاً عن حضور الشاعر الفلسطيني محمود درويش في عناوين بعضها، كـ"حالة حصار". فيما لم تخلُ الرسومات من سرد ليس فقط ليوميات الحبس المنزلي، بل ليوميات الزنزانة والحبس الفعلي، ووسائل التعذيب المتعددة التي يمارسها السجّان الإسرائيلي، والتي ازدادت قسوة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2024، حتى بات ما يحدث في السجون عملية إبادة للأسرى.
اشتملت قاعات مركز خليل السكاكيني الثقافي، التي تحتضن المعرض، على غرفة تفاعلية لمعرض "أم تحت الإقامة الجبرية"، جميع أدواتها هي التي استخدمتها لمى غوشة من داخل الحبس المنزلي (الإقامة الجبرية)، داعية الزوّار إلى المشاركة برسوماتهم وكتاباتهم في أي مواضيع يحبّونها.
تقول لمى غوشة لـ "العربي الجديد" إنها رسمت مع طفليها علم فلسطين، ومن هنا بدأت بتوثيق قصتها رسماً وكتابة، فوضعت بحثاً بعنوان "سوسيولوجيا الحبس المنزلي" حاز جائزة إبراهيم الدقاق للبحوث عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
وأشارت إلى أنها اتجهت إلى الرسم وسيلةً "للهرب من قساوة هذا النوع من العقوبات الاجتماعية"، مؤكدة أنها ليست فنانة ولا تطمح إلى ذلك، وهي صحافية، لكنها استخدمت هذه الرسومات لرسم قصة مبتكرة، من دون تخطيط مسبق، لتحكي للعالم عمّا يحدث للمقدسيّين، وخصوصاً الأطفال والنساء، جراء ما يُعرَف بالحبس المنزلي أو الإقامات الجبرية، لافتة إلى أن قرابة سبعين مقدسياً الآن يعيشون هذا الاعتقال العنيف أيضاً، وعلى أكثر من مستوى، حتى إن بعض الأطفال من المعتقلين داخل منزلهم حاولوا الانتحار، مشددة على أن هذه الفئة من الفلسطينيين، وهي واحدة منهم، "مهملون ولا يتم الحديث عنهم"، معبرة عن أملها بعرضه في عواصم ومدن عربية وعالمية.
أوضحت غوشة أن كل لوحة من المعرض تعبّر عن مشاعرها بصفتها أسيرة في منزل عائلتها، بسبب كتاباتها، واتهامها بالتحريض، لافتة إلى أنه بعد اعتقالها الفعلي، كان الحبس المنزلي، ترفع بهذه اللوحات وهذا الحدث صوتها عالياً لتعبّر عن جميع الأسرى داخل منازلهم، ولتعرّي زيف الاحتلال بادعائه أنها "عقوبة ناعمة"، لافتة إلى أنها لا تزال مهددة بالسجن، مع أنها منذ عامين تتعرض لكل هذه العقوبات من دون محاكمة.
ولفتت غوشة في حديثها إلى أن "الألم وقسوة الظروف تُخرج ممن يعيشها ويعايشها احتياجاً ما، لذا اتجهت إلى الرسم لتفريغ هذا الاحتياج، والتعبير عن الصوت الذي حُرمْت التعبير عنه"، مبينةً أنها اختارت توصيف "أم" في عنوان المعرض، لكون "الأمومة كانت العامل الأساسي الذي تم استغلالي عبره، سواء خلال فترة التحقيق معي، أو طوال تعامل المنظومة القضائية أو الاستخباراتية الإسرائيلية معي، باعتبار أن الأطفال نقطة ضعف كل أم، خصوصاً أنهم عاشوا معي كل المراحل الصعبة، بدءاً من لحظة اعتقالي إلى يومنا هذا".

بدوره، لفت الفنان الفلسطيني سليمان منصور، أحد داعمي غوشة في مشروع توثيقها البصري ليوميات الاعتقال المنزلي، إلى أنه "لأول مرة يشارك في معرض الجميع على قناعة، بما فيه صاحبه، بأنه ليس معرضاً فنيّاً"، فـ"أم تحت الإقامة الجبرية" عبارة عن "فشة غل"، وتعبير عما اختلج في دواخل لمى غوشة في فترة اعتقالها المنزلي من مشاعر، لكنه لمس لديها "روحاً فنيّة، وإصراراً عجيباً، ومثابرة كبيرة، وهذه مواصفات الفنان الحقيقي".
أما الفنان الفلسطيني الشاب محمد العزيز عاطف، فوصف المعرض بأنه قصة صحافية مبتكرة، ويعكس إصراراً لدى لمى على المقاومة، لافتاً إلى أن اللوحات قد تحمل شكلاً طفولياً من الناحية الفنيّة، لكن أفكارها عميقة للغاية وملهمة.
نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين، عمر نزال، أشار لـ "العربي الجديد"، إلى أهمية توثيق ونقل ما حدث ويحدث مع لمى غوشة من انتهاكات احتلالية على خلفية عملها الصحافي، وحرية الرأي والتعبير، وتبعاً لمنشورات لها على وسائل التواصل الاجتماعي، مشدداً على أن "الحبس المنزلي" قد يكون أقسى من ظروف الاعتقال الفعلي، خصوصاً نفسيّاً، علاوة على التضليل الممارس في هذا الجانب، باعتباره إجراءً تخفيفيّاً، أو قراراً اختيارياً، وهو لا هذا ولا ذاك، كاشفاً أن اتحاد الصحافيين الدوليين، دون غيره من المؤسسات ذات العلاقة التابعة للأمم المتحدة وغيرها حول العالم، من أبدى اهتماماً بقضية غوشة، بناءً على مراسلات النقابة المتعددة.

وقال وزير شؤون الأسرى والمحررين الفلسطيني، قدورة فارس، إن غوشة تسلط الضوء بهذه اللوحات والشروحات المرافقة لها "على تقليعة بشعة من تقليعات الاحتلال، الذي شأنه شأن كل الطغاة، فقط يقدمون للبشرية الأساليب الوحشية ومعنى الإجرام"، مؤكداً أنها "كشفت عن بشاعة "الاعتقال المنزلي"، الذي يروج الاحتلال له باعتباره عقوبة مخففة، وهو ليس كذلك بتاتاً، بل يشكل انعكاساً لوحشيتهم، فيما نعمد نحن، كما فعلت لمى، إلى التصدي لكل إجراء عنصري جديد بحقنا".

المساهمون