مرّ أكثر من أسبوع على إعلان وزارة الإعلام، ومعها النقابات المعنية بالعمل الصحافي في لبنان، عن انضام الجسم الإعلامي إلى الفئات المَشمولة بأولويّة تلقي لقاح فيروس كورونا المُنتظَر وصول الدفعةِ الأولى منه بين منتصف ونهاية شهر فبراير/شباط الحالي. وتوجّب على الصحافيين تقديم طلب إلى هذه النقابات لإدراج أسمائهم على قائمة الحاصلين على اللقاح.
الإعلان أثار مواقف مختلفة ومتضاربة بين اللبنانيين وبين الصحافيين أنفسهم، حول تلقيهم التطعيم قبل عمّال آخرين يعتبرون من عمال الصفوف الأمامية، كعمال خدمات التوصيل، وعمال المتاجر الأساسية، إذ لا يزال غير واضح إن كانوا سيتلقون اللقاح في الدفعة الأولي.
في حديث مع "العربي الجديد" تشرح الصحافية إلسي مفرّج أنها حال كحال عشرات الزملاء الآخرين، فإن ثقتها بنقابات المحررين (العاملون في المؤسسات الصحافية)، والصحافيين (أصحاب الصحف)، والمصورين، والمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، معدومة لأنها كيانات لا تملك شرعية تمثيلية للجسم الإعلامي. وتضيف عاملاً آخر مهماً في إطار اعتراضها، ذلك أن "الفئات الأكثر تعرّضاً للمرض هم الطاقم الطبي والتمريضي، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، بينما بإمكان الصحافيين تجنّب الإصابة بالفيروس، وتعزيز الاحتياطات والإجراءات الوقائية لحماية أنفسهم". وتؤكد أنها ستنتظر أن يصبحَ اللقاح متاحاً ومتوفراً للجميع كي تحصل عليه، بمعنى أنها لن تتقدّم بأي طلب لتلقي اللقاح بصفتها الصحافية، فهناك على حدّ قولها "أشخاص بحاجة إليه أكثر منّي".
لا يثق صحافيون كثر بطريقة توزيع اللقاح ولا بشرعية النقابات
مخاوف أخرى تحدّث عنها الصحافي والكاتب اللبناني حازم الأمين الذي روى لـ"العربي الجديد" أنّ نقيب المحررين جوزيف القصيفي أرسل إليه استمارة اللقاح لتعبئتها، وأبلغه الأمين ضرورة أن يشمل التطعيم العاملين في موقع "درج" الإلكتروني من محررين ومراسلين ومصوّرين، فطلب منه القصيفي إعداد لائحة بأسماء هؤلاء وهو ما حصل. هنا تفاجأ الأمين بأن النقيب أبلغه أنه أرسل اللائحة الى رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ بطلب من وزيرة الإعلام في حكومة تصريف الأعمال منال عبد الصمد لأن المواقع الإلكترونية من مهمات المجلس. "المواقع الإلكترونية باتت في هذه الحالة ضحية محفوظ، بعدما قرّرت وزيرة الإعلام المستقيلة (منال عبد الصمد) تسليمه سلامتنا من الفيروس وبالتالي رقابنا" يقول الأمين، مضيفاً أنّ "هذه الصلاحية التي منحت له ستكرس وصاية المجلس الوطني للإعلام الذي تتقاسمه قوى السلطة على المواقع الإلكترونية، والذي لا صلة أصلاً له مهنية أو تقنية بالمجال".
اعتراض الأمين هذا، سببه الأساسي أن المجلس الوطني معيّن من قبل أركان السلطة، عكس نقابة المحررين التي "ولو اختلفنا معها وطالبنا بتغييرها، لكن ذلك يحصل وفق الأطر الديمقراطية وعبر الانتخابات، فهي على الأقل هيئة منتخبة ومعترف فيها، ليس كالمجلس الوطني للإعلام... وخطوة وصايته على الصحافة الإلكتروني من شأنها أن تعزّزَ حتماً نفوذه، وتجعله بمثابة المسؤول عن القطاع وتفتح المجال واسعاً أمام التوظيف السياسي لعملية التلقيح".
التوظيف السياسي إذاً الذي يتحكّم بكل مفاصل الحياة اليومية في لبنان منذ عقود، يقلق صحافيين آخرين في بيروت. الإعلامية محاسن مرسل تطرح بدورها موضوع الثقة بالجهات التي تدير عملية توزيع اللقاح، ولا سيما على صعيد المجلس الوطني للإعلام "الذي لا دور له سوى التطبيل للسلطة والطبقة الحاكمة والمصارف ورجال الأعمال والمال، وهو مُدار من قبل القوى السياسية، ولمسنا هذا الخضوع أكثر من أي وقتٍ مضى مع انطلاقة انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2020 وفي كل المراحل السابقة، إذ لم يتحرّك المجلس عند التعرّض للجسم الصحافي، أو الاعتداء على مراسلين ومصورين وتوقيف البعض منهم، على العكس تماماً وقف إلى جانب الطرد والصرف التعسفي الذي طاول العاملين في المؤسسات الإعلامية، والأمر نفسه في ما يخصّ نقابتي الصحافة والمحررين".
وفقاً لذلك، لا ترى مرسل، أن الجهات المعنية يمكن ائتمانها على موضوع اللقاحات، و"الخوف يبقى من الاستنسابية وغياب الشفافية في عملية اختيار الصحافيين الذين سيتلقون اللقاح أولاً، من هنا كان السعي دائماً والطموح لنقابة بديلة تقف إلى جانب الصحافيين في كلّ الاستحقاقات وتتضامن معهم وتكون صوتهم وظهرهم والمدافع الأول عنهم وحقوقهم". لكنها تشدد على أنه يجب وضع قسم من الصحافيين على القائمة الأولية للحاصلين على التطعيم، وتحديداً المراسلين الميدانيين والمصوّرين.
الصحافية عزة الحاج حسن تحاول أن تكون أكثر تفاؤلاً من زملائها، آملةً أن تكون العملية شفافة "رغم أن الثقة للأسف مفقودة بالجهات المُناط بها الدور، فهي لم تتعامل مع أي ملف مرتبط بالصحافيين بشفافية سواء على صعيد مطالب أصحاب المهنة، أو مشاكلهم، أو الملاحقات التي يتعرّضون لها وكل نقابة أو مجلس يعمل انطلاقاً من توجهه السياسي، والجهة التي يتبع لها، ونتمنى لها إثبات العكس"، وفق ما تقول لـ"العربي الجديد". من ناحية ثانية، تفضّل عزة، أن تكون الأولوية الصحية هي المعيار لاختيار الأشخاص الذي لهم حق تلقي العلاج أولاً، سواء كانوا صحافيين أو من قطاعات أخرى، ومنها الفئات التي حدّدتها منظمة الصحة العالمية، لناحية الكبار في السن، ومن يعانون من أمراض مزمنة، وغيرهم، وبالتالي لا تحبّذ عملية التمييز بين القطاعات.
وكان لبنان قد خسر 4 عاملين في مجال الصحافة بعد وفاتهم بسبب الفيروس، وفق ما يؤكد أمين سر نقابة المحررين، جورج شاهين، لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أنّ عدد المصابين بفيروس كورونا في الجسم الإعلامي كلّه تخطى 94 إصابة. وكشف أن القائمة التي رفعتها النقابة لوزارة الإعلام ضمت أسماء 550 محرراً ومراسلاً صحافياً راغبين بتلقي اللقاح.